الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً }

{ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ } كما تساق البهائم { إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } أي عطاشاً كما روي عن ابن عباس وأبـي هريرة والحسن وقتادة ومجاهد، وأصله مصدر ورد أي سار إلى الماء، قال الراجز:
ردي ردي ورد قطاة صما   كُدرية أعجبها برد الما
وإطلاقه على العطاش مجاز لعلاقة اللزوم لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش، وجوز أن يكون المراد من الورد الدواب التي ترد الماء والكلام على التشبيه أي نسوقهم كالدواب التي ترد الماء، وفي «الكشف» في لفظ الورد تهكم واستخفاف عظيم لا سيما وقد جعل المورد جهنم أعاذنا الله تعالى منها برحمته فلينظر ما بين الجملتين من الفرق العظيم. وقرأ الحسن والجحدري { يحشر المتقون ويساق المجرمون } ببناء الفعلين للمفعول.

واستدل بالآية على أن أهوال القيامة تختص بالمجرمين لأن المتقين من الابتداء يحشرون مكرمين فكيف ينالهم بعد ذلك شدة؛ وفي «البحر» الظاهر أن حشر المتقين إلى الرحمٰن وفداً بعد انقضاء الحساب وامتياز الفريقين وحكاه ابن الجوزي عن أبـي سليمان الدمشقي وذكر ذلك النيسابوري احتمالاً بحثاً في الاستدلال السابق. وأنت تعلم أن ذلك لا يتأتى على ما سمعت في الخبر المروى عن علي كرم الله تعالى وجهه فإنه صريح في أنهم يركبون عند خروجهم من القبور وينتهون إلى باب الجنة وهو ظاهر في أنهم لا يحاسبون. وقال بعضهم: إن المراد بالمتقين الموصوفون بالتقوى الكاملة ولا يبعد أن يدخلوا الجنة بلا حساب فقد صحت الأخبار بدخول طائفة من هذه الأمة الجنة كذلك، ففي «الصحيحين» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: " عرضت عليَّ الأمم يمر النبـي معه الرجل والنبـي معه الرجلان والنبـي ليس معه أحد والنبـي معه الرهط فرأيت سواداً كثيراً فرجوت أن يكون أمتي فقيل: هذا موسى وقومه ثم قيل: انظر فرأيت سواداً كثيراً فقيل: هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب فتفرق الناس ولم يبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكر أصحابه فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك ولكن قد آمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء أبناؤنا / فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " والحديث.

وأخرج الترمذي وحسنه عن أبـي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعدني ربـي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعين ألفاً وثلاث حثيات من حثيات ربـي "

السابقالتالي
2