قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ }؛ أي لا تَفْضَحْنِي ولا تُهْتِكْ سَتْرِي يومَ القيامةِ، يوم تبعثُ الخلقَ. وَقِيْلَ: معناهُ: ولا تعذِّبْني يومَ تبعثُ الخلائقَ، وإنَّما قال ذلكَ مع علمهِ أنه لا يخزيهِ، إمَّا على طريق التَّعَبُّدِ وإنا حَثّاً لغيرهِ على أن يقتدي بهِ في مِثْلِ هذا الدُّعاء. ثُم فَسَّرَ ذلكَ اليوم؛ فقال: { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ }؛ أي لا ينفعُ ذا المالِ مالهُ الذي كان في الدُّنيا، ولا ينفعهُ بَنُوهُ ولا يواسُونَهُ بشيءٍ مِن طاعتِهم، ولا يحملونَ شيئاً من معاصيهِ، وقولهُ تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }؛ يعني من الشِّرْكِ والنفاقِ، فإنه ينفعهُ سلامةُ قلبهِ. وَقِيْلَ: القلبُ السَّليمُ هو الصحيحُ وهو قلبُ المؤمنِ، وقلبُ الكافرِ المنافقِ مريضٌ. وقال أهلُ الْمَعَانِي في تفسيرِ هذه الآياتِ أقوالاً غيرُ هذه، فقال بعضُهم: معنى{ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء: 78] أي الذي خلَقَني في الدُّنيا على فطرتهِ فهو يهدينِ في الآخرة إلى جنَّتِهِ، وقولهُ تعالى{ وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } [الشعراء: 79] أي يُطعِمُني أيَّ طعامٍ شاءَ، ويسقينِي أيَّ شرابٍ شاءَ. قال محمَّدُ بن كثير: (صَحِبْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بمَكَّةَ، فَكَانَ يَأْكُلُ مِنَ السَّبْتِ إلَى السَّبْتِ كَفّاً مِنَ الرَّمْلِ). وعن الحجَّاج بن عبدِالكريم قالَ: (خَرَجْتُ مِنْ بَلَخَ فِي طَلَب إبْرَاهِيْمَ بْنَ أدْهَمٍ فَوَجَدْتُهُ بحِمْصَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَبثْتُ مَعَهُ يَوْمِي ذلِكَ، فَقَالَ: لَعَلَّ نَفْسَكَ تُنَازِعُكَ إلَى شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذ رَمَاداً وَتُرَاباً وَخَلَطَهُمَا وَأعْطَانِيَهُ فَأَكَلْتُهُ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيَّ وَأنْشَأَ يَقُولُ: