الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً }؛ أي كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ من الطعامِ والشراب حلالاً أحلَّهُ الله لكم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }. وَقِيْلَ: " أنَّهُ لما بلغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خبرُهم؛ أتَى دَارَ عُثْمَانَ بْنَ مَضْعُونٍ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَقَالَ لامْرَأةِ عُثْمَانَ بْنِ مَضْعُونٍ - أمِّ حَكِيمٍ بنْتِ أمَيَّةَ وَاسْمُهَا الْخَوْلَةُ وَكَانَتْ عَطَّارَةً -: " أحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْ زَوْجِكِ وَأصْحَابهِ؟ " فَكَرِِهَتْ أنْ تَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ وَكَرِهَتْ أنْ تُبْدِيَ خَبَرَ زَوْجِهَا؛ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنْ كَانَ أخْبَرَكَ عُثْمَانُ فَقَدْ صَدَقَ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فَلَمَّا جَاءَ عثْمَانُ أخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بذلِكَ، فَعَنِيَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ عليه السلام: " أمَّا أنَا؛ فَلَمْ أوْمَرْ بذلِكَ، إنَّ لأَنْفُسِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً؛ فَصُومُوا وَأفْطِرُواْ؛ وَقُومُواْ وَنَامُواْ، فَأَنَا أقُومُ وَأنَامُ، وَأصُومُ وَأفْطِرُ، وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَسَمَ، وآتِي النِّسَاءَ، مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ".

ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: " مَا بَالُ قَوْمٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ الطَّيِّبَ وَالنَّوْمَ، أمَّا أنَا فَلاَ آمُرُكُمْ أنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ أوْ رُهْبَاناً، فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ، وَاتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ، فَإنَّ سِيَاحَةَ أمَّتِي الصَّوْمُ، وَرَهْبَانِيَّتَهُمُ الْجِهَادُ، فَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بهِ شَيْئاً، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُواْ وَأقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَاسْتَقِيمُوا لِيَسْتَقِيمَ لَكُمْ، فَإنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُواْ عَلَى أنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ " ".

وعن سعيدِ بن المسيِّب؛ قال: " جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ مَضْعُونٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فََقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بأَنْ أخْتَصِي، قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! إنَّ اخْتِصَاءَ أمَّتِي الصِّيَامُ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أنْ أتَرَهَّبَ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ، قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! فَإنَّ تَرَهُّبَ أمَّتِي الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ لانْتِظَار الصَّلاَةِ ".

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أنْ أخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ. قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! فَإنَّ صَدَقَتَكَ يَوْمٌ بيَوْمٍ، وَتَعِفُّ بنَفْسِكَ وَعِيَالِكَ، وَتَرْحَمُ الْمَسَاكِينَ وَالْيَتِيْمَ، فَتُعْطِيهِمَا أفْضَلُ مِنْ ذلِكَ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ نَفْسِي تُحَدَّثُنِي أنْ أطَلِّقَ امْرَأتِي خَوْلَةَ. قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! فَإنَّ الْهِجْرَةَ فِي أمَّتِي مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ، أوْ هَاجَرَ إلَيَّ فِي حَيَاتِي، أوْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي، أوْ مَاتَ وَلَهُ امْرَأةٌ أوْ امْرَأتَانِ أوْ ثَلاَثٌ أوْ أرْبَعٌ ".

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإنْ نَهَيْتَنِي أنْ لاَ أطَلِّقَهَا فَإنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أنْ لاَ أغْشَاهَا. قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! فَإنَّ الْمُسْلِمَ إذا غَشِيَ امْرَأتَهُ أوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ، كَانَ لَهُ وَصِيْفَةٌ فِي الْجَنَّةِ. وَإنْ كَانَ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ، فَمَاتَ قَبْلَهُ كَانَ لَهُ فَرْطاً وَشَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإنْ مَاتَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أنْ لاَ آكُلَ اللَّحْمَ. قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! فَإنِّي أحِبُّ اللَّحْمَ وَآكُلُهُ إذا وَجَدْتُهُ، وَلَوْ سَأَلْتُ رَبي أنْ يُطْعِمَنِيَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لأَطْعَمَنِيَهُ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أنْ لاَ أمَسَّ الطَّيبَ. قَالَ: " مَهْلاً يَا عُثْمَانُ! فَإنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أمَرَنِي بالطَّيب غَبّاً " ، وَقَالَ: " يَوْمَ الْجُمُعَةِ لاَ تَرْكَهُ، يَا عُثْمَانَ لاَ تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي، فَإنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أنْ يَتُوبَ، صَرَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ".


السابقالتالي
2