الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ.. } [القصص: 88] كسابقتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مظنة أن يدعو مع الله إلهاً آخر { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ.. } [القصص: 88] أي: لا معبودَ بحق إلا هو. ولو كان معه سبحانه وتعالى آلهة أخرى لواجهوه:قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [الإسراء: 42] أي: سَعَوْا إليه لينازعوه الألوهية، أو ليتقرَّبوا إليه. { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ.. } [القصص: 88] الوجه في عُرْفنا ما به المواجهة في الإنسان، وكل شيء يصف به الحق سبحانه نفسه علينا أنْ نصفه سبحانه به، بناءً على وصفه في إطار قوله سبحانهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.. } [الشورى: 11]. فالحق سبحانه له وجه، لكن ليس ككل الوجوه، وهكذا في كل الصفات التي يشترك فيها الحق سبحانه مع الخَلْق، وأنت آمنتَ بوجود الله، وأن وجوده ذاتي، ليس كوجودك أنت. وقوله: { كُلُّ شَيْءٍ.. } [القصص: 88] كلمة شيء يقولون: إنها جنس الأجناس يعني: أي موجود طرأ عليه الوجود يسمى شيء مهما كان تافهاً ضئيلاً. وقد تكلم العلماء في: أيطلق على الله تعالى أنه شيء لأنه موجود؟ قالوا: ننظر في أصل الكلمة شيء من شاء شيئاً، فالشيء شاءه غيره، فأوجده لذلك لا يقال لله تعالى شيء لأنه سبحانه ما شاءه أحد، بل هو سبحانه موجود بذاته. وفي آية أخرى يقول تعالى في عمومية الشيء:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.. } [الإسراء: 44] يعني: كل ما يُقال له شيء موجود سبق وجوده عدم، إلا يسبح بحمد الله، البعض قال: هو تسبيح دلالة على موجدها، وليس تسبيح مقالة حقيقية، لكن قوله سبحانهوَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.. } [الإسراء: 44] يدل على أنه تسبيح حقيقي، فكل شيء يُسبِّح بلغته وبما يناسبه. وقد أثبت الله تعالى منطقاً للطير وتسبيحاً للجبال، ولو فهمتَ لغة هذه الأشياء لأمكنك أنْ تعرف تسبيحها، لكن كيف نطمع في معرفة لغات الحجر والشجر، ونحن لا نفهم لغات بعضنا، فإذا لم تكن تعرف مثلاً الإنجليزية، أتعرف ماذا يقول المتحدث بها لو سبّح بها الله وهو بشر مثلك يتكلَّم بنفس طريقتك وبنفس الأصوات؟ لذلك يقولون في معجزاته صلى الله عليه وسلم: سبَّح الحصى في يده، والصواب أن نقول: سمع رسول الله تسبيح الحصى في يده، وإلاَّ فالحصى يُسبِّح في يد رسول الله، ويُسبِّح في يد أبي جهل. ومن ذلك أيضاً حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ألم يقل الحق سبحانه:وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ.. } [النحل: 68]. ألم يَقُلْ عن الأرض:بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [الزلزلة: 5]؟ ألم يُثبت للنملة كلاماً؟ ألم يكلم الهدهد سليمانَ عليه السلام، وفهم منه سليمانُ؟

السابقالتالي
2