الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } * { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }

قوله عز وجل: { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة } يعني أولئك الذين سميناهم من الأنبياء أعطيناهم الكتب التي أنزلناها عليهم وآتيناهم العلم والفهم وشرفناهم بالنبوة وإنما قدم ذكر الكتاب والحكمة على النبوة وإن كانت النبوة هي الأصل لأن منصب النبوة أشرف المراتب والمناصب فذكروا أولاً الكتاب والحكم لأنهما يدلان على النبوة { فإن يكفر بها هؤلاء } يعني فإن يجحد بدلائل التوحيد والنبوة كفار قريش { فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } قال ابن عباس: هم الأنصار وأهل المدينة. وقيل: هم المهاجرون والأنصار وقال الحسن وقتادة: هم الأنبياء الثمانية عشر الذين تقدم ذكرهم واختاره الزجاج قال: والدليل عليه قوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وقال رجاء العطاردي: هم الملائكة وفيه بعد لأن اسم القوم لا ينطلق إلا على بني آدم وقيل هم الفرس. قال ابن زيد: كل من لم يكفر فهو منهم سواء كان ملكاً أو نبياً أو من الصحابة أو التابعين وفي الآية دليل على أن الله تعالى ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم ويقوي دينه ويجعله عالياً على الأديان كلها وقد جعل ذلك فهو إخبار عن الغيب... قوله تعالى: { أولئك الذين هدى الله } يعني النبيين الذين تقدم ذكرهم لأنهم هم المخصوصون بالهداية { فبهداهم اقتده } إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني فبشرائعهم وسننهم اعمل وأصل الاقتداء في اللغة طلب موافقة الثاني للأول في فعله. وقيل أمره أن يقتدي بهم في أمر الدين الذي أمرهم أن يجمعوا عليه وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن جميع النقائص التي لا تليق بجلاله في الأسماء والصفات والأفعال. وقيل: أمره الله أن يقتدي بهم في جميع الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية والصفات الرفيعة الكاملة مثل: الصبر على أذى السفهاء، والعفو عنهم. وقيل: أمره أن يقتدي بشرائعهم إلا ما خصه دليل آخر فعلى هذا القول يكون في الآية دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا. فصل احتج العلماء بهذه الآية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. بيانه أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف وكانت متفرقة فيهم فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه، وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل مجاهدة في الله عز وجل، وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن، وكان داود عليه السلام وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة، قال الله فيهم:اعملوا آل داود شكراً } [سبأ: 13] وكان أيوب صاحب صبر على البلاء، قال الله فيهإنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب } [ص: 44] وكان يوسف قد جمع بين الحالتين، يعني: الصبر والشكر، وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة، وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا، وكان إسماعيل صاحب صدق وكان يونس صاحب تضرع وإخبات ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم وجمع له جميع الخصال المحمودة المتفرقة فيهم فثبت بهذا البيان أنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال التي كانت متفرقة في جميعهم والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4