الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

يعني غزوة الخَنْدق والأحزاب وبني قُرَيظة، وكانت حالاً شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة، وتضمّنت أحكاماً كثيرة وآيات باهرات عزيزة، ونحن نذكر من ذلك بعون الله تعالى ما يكفي في عشر مسائل: الأولى: اختلف في أيّ سنة كانت فقال ابن إسحاق: كانت في شوال من السنة الخامسة. وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك رحمه الله: كانت وقعة الخندق سنة أربع، وهي وبنو قُريظة في يوم واحد، وبين بني قريظة والنَّضير أربع سنين. قال ابن وهب وسمعت مالكاً يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال من المدينة، وذلك قوله تعالى: { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ }. قال: ذلك يوم الخندق، جاءت قريش من هاهنا واليهود من هاهنا والنَّجدية من هاهنا. يريد مالك: إن الذين جاؤوا من فوقهم بنو قريظة، ومن أسفل منهم قريش وغَطَفان. وكان سببها: أن نفراً من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيق وسلام بن أبي الحُقَيق وسلام بن مِشْكم وحُيَيّ بن أخْطب النضرِيّون وهَوْذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل، وهم كلهم يهود، هم الذين حزّبوا الأحزاب وألبّوا وجمعوا، خرجوا في نفر من بني النَّضير ونَفَر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك، ثم خرج اليهود المذكورون إلى غَطَفَان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غَطَفان وقائدهم عُيينة بن حصن بن حُذيفة بن بدر الفَزَاريّ على فَزارة، والحارث ابن عوف المُرِّي على بني مُرّة، ومسعود بن رُخَيلة على أشجع. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه. وقال المهاجرون يومئذٍ: سلمان منا. وقال الأنصار: سلمان منا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منّا أهل البيت " وكان الخندق أوّلَ مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ حر. فقال: يا رسول الله، إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين، ونكص المنافقون وجعلوا يتسلّلْون لِواذاً فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها ابن إسحاق وغيره. وكان مَن فرغ من المسلمين من حصّته عاد إلى غيره، حتى كمل الخندق. وكانت فيه آيات بيّنات وعلامات للنبوّات. قلت: ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي: الثانية: مشاورة السلطان أصحابَه وخاصّته في أمر القتال وقد مضى ذلك في «آل عمران، والنمل».

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد