الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: { وَلْيَخْشَ }: ليخف الذين يحضرون موصياً يوصي فـي ماله أن يأمره بتفريق ماله وصية به فيمن لا يرثه، ولكن ليأمره أن يبقي ماله لولده، كما لو كان هو الموصي، يسرّه أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده، وأن لا يدعهم عالة مع ضعفهم وعجزهم عن التصرف والاحتـيال. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ }... إلـى آخر الآية. فهذا فـي الرجل يحضره الـموت فـيسمعه يوصي بوصية تضرّ بورثته، فأمر الله سبحانه الذي يسمعه أن يتقـي الله ويوفقه ويسدّده للصواب، ولـينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع لورثته إذا خشي علـيهم الضيعة. حدثنا علـيّ، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } يعنـي: الذي يحضره الـموت، فـيقال له: تصدّق من مالك، وأعتق، وأعط منه فـي سبـيـل الله، فنهوا أن يأمروه بذلك. يعنـي: أن من حضر منكم مريضاً عند الـموت، فلا يأمره أن ينفق ماله فـي العتق أو الصدقة أو فـي سبـيـل الله، ولكن يأمره أن يبـين ماله، وما علـيه من دين، ويوصي فـي ماله لذوي قرابته الذين لا يرثون، ويوصي لهم بـالـخمس أو الربع. يقول: ألـيس يكره أحدكم إذا مات وله ولد ضعاف ـ يعنـي صغار ـ أن يتركهم بغير مال، فـيكونوا عيالاً علـى الناس؟ فلا ينبغي أن تأمروه بـما لا ترضون به لأنفسكم ولا أولادكم ولكن قولوا الـحقّ من ذلك. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } قال: يقول: من حضر ميتاً فلـيأمره بـالعدل والإحسان، ولـينهه عن الـحيف والـجور فـي وصيته، ولـيخش علـى عياله ما كان خائفـاً علـى عياله لو نزل به الـموت. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً } قال: إذا حضر ت وصية ميت، فمره بـما كنت آمراً نفسك بـما تتقرّب به إلـى الله، وخف فـي ذلك ما كنت خائفـاً علـى ضعفتك لو تركتهم بعدك. يقول: فـاتق الله وقل قولاً سديداً، إنْ هو زاغ. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } الرجل يحضره الـموت، فـيحضره القوم عند الوصية، فلا ينبغي لهم أن يقولوا له: أوص بـمالك كله وقدم لنفسك، فإن الله سيرزق عيالك، ولا يتركوه يوصي بـماله كله، يقول للذين حضروا: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } فـيقول كما يخاف أحدكم علـى عياله لو مات ـ إذ يتركهم صغاراً ضعافـاً لا شيء لهم ـ الضيعة بعده، فلـيخف ذلك علـى عيال أخيه الـمسلـم، فـيقول له القول السديد.

السابقالتالي
2 3 4