الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ }

ثم إنه تعالى أعاد بعض الأنباء فقال: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } فيها تهوين وتسلية لقلب محمد صلى الله عليه وسلم فإن حاله كحال من تقدمه وفيه مسائل: المسألة الأولى: إلحاق ضمير المؤنث بالفعل قبل ذكر الفاعل جائز بالاتفاق وحسن، وإلحاق ضمير الجمع به قبيح عند الأكثرين، فلا يجوزون كذبوا قوم نوح، ويجوزون كذبت فما الفرق؟ نقول: التأنيث قبل الجمع لأن الأنوثة والذكورة للفاعل أمر لا يتبدل ولا تحصل الأنوثة للفاعل بسبب فعلها الذي هو فاعله فليس إذا قلنا: ضربت هذه كانت هذه أنثى لأجل الضرب بخلاف الجمع، لأن الجمع للفاعلين بسبب فعلهم الذي هم فاعلوه، فإنا إذا قلنا: جمع ضربوا وهم ضاربون ليس مجرد اجتماعهم في الوجود يصحح قولنا: ضربوا وهم ضاربون، لأنهم إن اجتمعوا في مكان فهم جمع، ولكن إن لم يضرب الكل لا يصح قولنا: ضربوا، فضمير الجمع من الفعل فاعلون جمعهم بسبب الاجتماع في الفعل والفاعلية، وليس بسبب الفعل، فلم يجز أن يقال: ضربوا جمع، لأن الجمع لم يفهم إلا بسبب أنهم ضربوا جميعهم، فينبغي أن يعلم أولاً اجتماعهم في الفعل، فيقول: الضاربون ضربوا، وأما ضربت هند فصحيح، لأنه لا يصح أن يقال: التأنيث لم يفهم إلا بسبب أنها ضربت، بل هي كانت أنثى فوجد منها ضرب فصارت ضاربة، وليس الجمع كانوا جمعاً فضربوا فصاروا ضاربين، بل صاروا ضاربين لاجتماعهم في الفعل ولهذا ورد الجمع على اللفظ بعد ورود التأنيث عليه فقيل: ضاربة وضاربات ولم يجمع اللفظ أولاً لأنثى ولا لذكر، ولهذا لم يحسن أن يقال: ضرب هند، وحسن بالإجماع ضرب قوم والمسلمون. المسألة الثانية: لما قال تعالى: { كَذَّبَتْ } ما الفائدة في قوله تعالى: { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا }؟ نقول: الجواب عنه من وجوه الأول: أن قوله: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } أي بآياتنا وآية الانشقاق فكذبوا الثاني كذبت قوم نوح الرسل وقالوا: لم يبعث الله رسولاً وكذبوهم في التوحيد: فكذبوا عبدنا كما كذبوا غيره وذلك لأن قوم نوح مشركون يعبدون الأصنام ومن يعبد الأصنام يكذب كل رسول وينكر الرسالة لأنه يقول: لا تعلق لله بالعالم السفلي وإنما أمره إلى الكواكب فكان مذهبهم التكذيب فكذبوا الثالث: قوله تعالى: { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } للتصديق والرد عليهم تقديره: كذبت قوم نوح وكان تكذيبهم عبدنا أي لم يكن تكذيباً بحق كما يقول القائل: كذبني فكذب صادقاً. المسألة الثالثة: كثيراً ما يخص الله الصالحين بالإضافة إلى نفسه كما في قوله تعالى:إِنَّ عِبَادِى } [الحجر: 42]يا عِبَادِى } [العنكبوت: 56]واذْكُرْ عَبْدَنَا } [ ص: 17]إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا } [يوسف: 24] وكل واحد عبده فما السر فيه؟ نقول: الجواب عنه من وجوه الأول: ما قيل: في المشهور أن الإضافة إليه تشريف منه فمن خصصه بكونه عبده شرف وهذا كقوله تعالى:

السابقالتالي
2