الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله { لِلْفُقَرَاء } قيل هو بدل من { لذى ٱلْقُرْبَىٰ } وما عطف عليه، ولا يصح أن يكون بدلاً من الرسول، وما بعده لئلا يستلزم وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وقيل التقدير { كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً } ولكن يكون للفقراء، وقيل التقدير اعجبوا للفقراء، وقيل التقدير والله شديد العقاب للفقراء أي شديد العقاب للكفار بسبب الفقراء، وقيل هو عطف على ما مضى بتقدير الواو، كما تقول المال لزيد لعمرو لبكر، والمراد بـ { الْمُهَـٰجِرِينَ } الذين هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة في الدين ونصرة له. قال قتادة هؤلاء المهاجرون هم الذين تركوا الديار، والأموال، والأهلين، ومعنى { أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم } أن كفار مكة أخرجوهم منها، واضطروهم إلى الخروج، وكانوا مائة رجل { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } أي يطلبون منه أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا، وبالرضوان في الآخرة { وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بالجهاد للكفار، وهذه الجملة معطوفة على { يبتغون } ، ومحل الجملتين النصب على الحال، الأولى مقارنة، والثانية مقدّرة، أي ناوين لذلك، ويجوز أن تكون حالاً مقارنة لأن خروجهم على تلك الصفة نصرة لله ورسوله، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إليهم من حيث اتصافهم بتلك الصفات، وهو مبتدأ، وخبره { هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ } أي الكاملون في الصدق الراسخون فيه. ثم لما فرغ من مدح المهاجرين مدح الأنصار فقال { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءوا ٱلدَّارَ وَٱلإيمَـٰنَ مِن قَبْلِهِمْ } المراد بالدار المدينة، وهي دار الهجرة، ومعنى تبوّئهم الدار والإيمان أنهم اتخذوها مباءة، أي تمكنوا منهما تمكناً شديداً، والتبوّأ في الأصل إنما يكون للمكان، ولكنه جعل الإيمان مثله لتمكنهم فيه تنزيلاً للحال منزلة المحل، وقيل إن الإيمان منصوب بفعل غير الفعل المذكور، والتقدير واعتقدوا الإيمان، أو وأخلصوا الإيمان كذا قال أبو علي الفارسي. ويجوز أن يكون على حذف مضاف، أي تبوءوا الدار وموضع الإيمان، ويجوز أن يكون تبوّءوا مضمناً لمعنى لزموا، والتقدير لزموا الدار والإيمان، ومعنى { مِن قَبْلِهِم } من قبل هجرة المهاجرين، فلا بدّ من تقدير مضاف، لأن الأنصار إنما آمنوا بعد إيمان المهاجرين، والموصول مبتدأ، وخبره { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } وذلك لأنهم أحسنوا إلى المهاجرين، وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم { وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً } أي لا يجد الأنصار في صدورهم حسداً، وغيظاً، وحزازة { مّمَّا أُوتُواْ } أي مما أوتي المهاجرون دونهم من الفيء، بل طابت أنفسهم بذلك. وفي الكلام مضاف محذوف، أي لا يجدون في صدورهم مسّ حاجة، أو أثر حاجة، وكلّ ما يجده الإنسان في صدره مما يحتاج إليه فهو حاجة. وكان المهاجرون في دور الأنصار فلما غنم النبيّ صلى الله عليه وسلم بني النضير دعا الأنصار، وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين من إنزالهم إياهم في منازلهم، وإشراكهم في أموالهم، ثم قال

السابقالتالي
2 3 4