الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }.

في الآية فوائد

الأولى: قال ابن كثير: لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسيّة، نبّه على الطرق المعنوية الدينية. وكثيراً ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية الدينية. كقوله تعالى:وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 197] وقال تعالى:يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [الأعراف: 26]. ولما ذكر تعالى، في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها، التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة، شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه فبيّن أن الحق منها موصلة إليه. فقال { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ }. كقوله تعالى:وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153] وقال:قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } [الحجر: 41] انتهى. وقوله سبحانه:إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [الليل: 12].

الثانية: قال أبو السعود: (القصد) مصدر بمعنى الفاعل. يقال سبيل قصد وقاصد. أي: مستقيم. على طريقة الاستعارة أو على نهج إسناد حال سالكه إليه، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه. أي: حقٌّ عليه سبحانه وتعالى، بموجب رحمته ووعده المحتوم، بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه إلى الحق، الذي هو التوحيد. بنصب الأدلة وإرسال الرسل وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه. أو مصدر بمعنى الإقامة والتعديل. قاله أبو البقاء. أي: عليه، عز وجل، تقويمها وتعديلها. أي: جعلها بحيث يصل سالكها إلى الحق. لكن لا بعد ما كانت في نفسها منحرفة عنه، بل إبداعها ابتداء كذلك على نهج (سبحان من صغر البعوض. وكبّر الفيل) وحقيقته راجعة إلى ما ذكر من نصب الأدلة. وقد فعل ذلك حيث أبدع هذه البدائع التي كل واحد منها لا حبٌ يهتدي بمناره. وعلم يستضاء بناره. وأرسل رسلاً مبشرين ومنذرين. وأنزل عليهم كتباً من جملتها هذا الوحي الناطق بحقيقة الحق. الفاحص عن كل ما جل من الأسرار ودق. الهادي إلى سبيل الاستدلال بتلك الأدلة المفضية إلى معَالم الهدى. المنحّية عن فيافي الضلالة ومهاوي الردى.

الثالثة: الضمير في { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } للسبيل. فإنها تؤنث. أي: وبعض السبيل مائل عن الحق، منحرف عنه، لا يوصل سالكه إليه. وهو طريق الضلالة التي لا يكاد يحصي عددها، المندرج كلها تحت الجائر. كقوله تعالى:وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153].

قال أبو السعود، بعد ما تقدم: أي: وعلى الله تعالى بيان الطريق المستقيم الموصل إلى الحق وتعديله، بما ذكر من نصب الأدلة ليسلكه الناس باختيارهم ويصلوا إلى المقصد - وهذا هو الهداية المفسرة بالدلالة على ما يوصل إلى المطلوب.

السابقالتالي
2