قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَسيروا في الأرض } أي: أَوَلَمْ يسافروا فينظروا مصارع الأُمم قبلهم كيف أُهلكوا بتكذيبهم فيعتَبروا. قوله تعالى: { وأثاروا الأرض } أي: قلبوها للزراعة، ومنه قيل للبقرة: مثيرة. وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومعاذ القارىء، وأبو حيوة: { وآثَرُوا الأرض } بمد الهمزة وفتح الثاء مرفوعة الراء، { وعَمَرُوها أكثرَ مِمَّا عَمَرُوها } أي: أكثر من عِمارة أهل مكة، لطول أعمار أولئك وشدة قوَّتهم { وجاءتهم رسُلُهم بالبيِّنات } أي: بالدَّلالات { فما كان الله لِيَظْلِمهم } بتعذيبهم على غير ذنب { ولكن كانوا أنفُسَهم يَظْلِمون } بالكفر والتكذيب؛ ودلَّ هذا على أنهم لم يؤمنوا فأُهلكوا. ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: { ثُمَّ كان عاقبةَ الذين أساؤوا السُّوأى } يعني: الخَلَّة السيِّئة؛ وفيها قولان. أحدهما: أنها العذاب، قاله الحسن. والثاني: جهنم، قاله السدي. قوله تعالى: { أن كذَّبوا } قال الفراء: معناه: لأن كذَّبوا، فلمَّا أُلقيت اللامُ كان نصباً. وقال الزجاج: لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم. وقيل: السُّوأى مصدر بمنزلة الإِساءَة؛ فالمعنى: ثم كان التكذيب آخرَ أمرهم، أي: ماتوا على ذلك، كأنَّ الله تعالى جازاهم على إِساءَتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبةً لهم. وقال مكي بن أبي طالب النحوي: { عاقبةُ } اسم كان، و { السُّوأى } خبرها، و { أن كذَّبوا } مفعول من أجله؛ ويجوز أن يكون { السُّوأى } مفعولة بـ { أساؤوا } ، و { أن كذَّبوا } خبر كان؛ ومن نصب «عاقبةَ» جعلها خبر «كان»، و «السُّوأى» اسمها، ويجوز أن يكون { أن كذَّبوا } اسمها. وقرأ الأعمش: «أساؤوا السُّوءُ» برفع «السُّوءُ». قوله تعالى: { الله يبدأ الخَلْق ثم يُعيدُه } أي: يخلُقهم أوّلاً، ثم يعيدهم بعد الموت أحياءً كما كانوا، { ثُمَّ إِليه تُرْجَعون } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: { تُرْجَعون } بالتاء؛ فعلى هذا يكون الكلام عائداً من الخبر إِلى الخطاب وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: بالياء، لأن المتقدِّم ذِكْره غَيبة، والمراد بذِكر الرجوع: الجزاءُ على الأعمال، والخَلْق بمعنى المخلوقين، وإِنما قال: { يُعِيده } على لفظ الخَلْق.