الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { إذا نودي للصلاة } وهذا هو النداء الذي ينادى به إذا جلس الإمام على المنبر، ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نداء سواه، كان إِذا جلس على المنبر أذَّن بلال على باب المسجد، وكذلك كان على عهد أبي بكر، وعمر، فلما كثر الناس على عهد عثمان أمر بالتأذين على دارٍ له بالسُّوق، يقال لها «الزوراء» وكان إذا جلس أذَّن أيضاً.

قوله تعالى: { للصلاة } أي: لوقت الصلاة. وفي «الجمعة» ثلاث لغات. ضم الجيم والميم، وهي قراءة الجمهور. وضم الجيم مع إسكان الميم، وبها قرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء، وعكرمة، والزهري، وابن أبي ليلى، وابن أبي عبلة، والأعمش. وبضم الجيم مع فتح الميم، وبها قرأ أبو مجلز، وأبو العالية، والنخعي، وعدي بن الفضل عن أبي عمرو. قال الزجاج: من قرأ بتسكين الميم، فهو تخفيف الجمعة لثقل الضمتين. وأما فتح الميم، فمعناها: الذي يجمع الناس، كما تقول: رجل لُعَنَة: يكثر لعنة الناس، وضُحَكَة: يكثر الضحك.

وفي تسمية هذا اليوم بيوم الجمعة ثلاثة أقوال.

أحدها: لأن فيه جُمع آدم. " روى سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتدري ما الجمعة؟» قلت: لا. قال: «فيه جُمع أبوك» " ، يعني: تمام خلقه في يوم.

والثاني: لاجتماع الناس فيه للصلاة.

والثالث: لاجتماع المخلوقات فيه، لأنه اليوم الذي منه فرغ من خلق الأشياء.

وفي أول من سماها بالجمعة قولان.

أحدهما: أنه كعب بن لؤي سماها بذلك، وكان يقال ليوم الجمعة: العَروبة، قاله أبو سلمة. وقيل: إِنما سماها بذلك لاجتماع قريش فيه.

والثاني: أول من سماها بذلك الأنصار، قاله ابن سيرين.

قوله تعالى: { فاسعَوا إلى ذكر الله } وفي هذا السعي ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه المشي، قاله ابن عباس. وكان ابن مسعود يقرؤها «فامضوا» ويقول: لو قرأتها «فاسعَوْا» لسعَيت حتى يسقط ردائي. وقال عطاء: هو الذهاب والمشي إلى الصلاة.

والثاني: أن المراد بالسعي: العمل، قاله عكرمة، والقرظي، والضحاك، فيكون المعنى: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله بالتفرغ له، والاشتغال بالطهارة ونحوها.

والثالث: أنه النية بالقلب، قاله الحسن. وقال ابن قبيبة: هو المبادرة بالنية والجدّ.

وفي المراد «بذكر الله» قولان.

أحدهما: أنه الصلاة، قاله الأكثرون.

والثاني: موعظة الإمام، قاله سعيد بن المسيب.

قوله تعالى: { وذروا البيع } أي: دعوا التجارة في ذلك الوقت. وعندنا: أنه لا يجوز البيع في وقت النداء، ويقع البيع باطلاً في حق من يلزمه فرض الجمعة، وبه قال مالك خلافاً للأكثرين.

فصل

تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر، إذا كان المؤذن صَيِّتاً، والريح ساكنة. وقد حدَّه مالك بفرسخ، ولم يحدّه الشافعي.

السابقالتالي
2