الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ }

{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } أي: تطلبون منه الغوث، وهو التخلص من الشدة، والعون بالنصر عليهم { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } أي: الدعاء { أَنِّي مُمِدُّكُمْ } أي: معينكم { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } بكسر الدال، أي: متتابعين، بعضهم على إثر بعض، أومردفين غيرهم. وقرئ بفتحها على معنى أن الله أردف المسلمين بهم، أو مردفين بغيرهم، أي من ملائكة آخرين. وقرئ (بآلاف) بالجمع، كما يأتي.

روى مسلم عن ابن عباس قال: حدثني عُمَر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدّ يده، فجعل يهتف بربه ويقول: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربه ماداً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ }.

وروى البخاريّ عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب ".

وروى البخاري عن معاذ بن رِفاعة بن رافع الزرقيّ، عن أبيه - وكان ممن شهد بدراً - قال: " جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: " من أفضل المسلمين " - أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة ".

تنبيهات

الأول: قال الجشميّ: تدل الآية على أن الملك يجوز أن يتشبه بالآدميّ، ولا يخرج من كونه ملكاً، بأن يغير أطرافهم دون الأجزاء التي صاروا بها أحياء والذي ينكر أن يقدر أحد على تغيير الصور، بل نقول: إن الله هو الذي يقدر على ذلك. انتهى.

الثاني: قال الزمخشريّ: وعن السدّي: " بآلاف من الملائكة " - على الجمع - ليوافق ما في سورة آل عمران. فإن قلت: فيم يُعتذر لمن قرأ على التوحيد، ولم يفسر (المردفين) بإرداف الملائكة ملائكة آخرين، و(المردَفين) بارتدافهم غيرهم؟ قلت: بأن المراد بالألف، من قاتل منهم، أو الوجوه منهم، الذين مَنْ سواهم أتباع لهم. انتهى.

وقال شمس الدين ابن القيم في (زاد المعاد) في بحث غزوة بدر: فإن قيل: هنا ذكر أنه أمدهم بألف، وفي سورة آل عمران قال:إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ }

السابقالتالي
2