الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ }

منصوب بـ " رَجْعِه " ، اللهمّ إلاّ أن نصب من جعل الضمير في " رَجْعِهِ " للماء، وفسّره برَجْعِه إلى مخرجه من الصلب والترائب، أو الإحليل، أو للإنسان، وفسّره بردّه ماء، أو بما فسّره مقاتل بمضمر الإبتلاء والاختبار.

و " السرائر ": جمع " السريرة " ، وهي ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيّات، أو في النفوس من الأخلاق والصفات.

و " بلاؤها ": تعرّفها، والتميز بين حقّها وباطلها، وحُسْنها وقُبْحها، وطيّبها وخبيثها. قال الشاعر:
ستبقى لها في مضمر القلب والحشا   سريرة ودّ يوم تُبلى السرائر
وعن الحسن: إنّه سمع رجلا ينشد هذا البيت، فقال: ما أغفله عمّا في:وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } [الطارق:1].

تبصرة

العوالم الثلاثة وسير الإنسان فيها

إعلم أنّ الله خلق الوجود ثلاث عوالم: دنياً وبرزَخاً وأخرى. ويعبّر عن كلّ منها بيوم، فكلّ يوم من أيّام الدنيا مدّة دورة الفلك الأعظم، وربما يطلق على زمان دورة القمر، بل على زمان دورة الشمس أيضاً، ومجموعها سبعة آلاف سنة، وكلّ يوم من أيّام البرزخ ألف سنة ممّا تعدّون، أو سبعة آلاف سنة ممّا تعدّون، وكلّ يوم من أيام الآخرة - وهي أيّام الله - يكون خمسين ألف سنة لقوله تعالى:تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج:4].

فخلق الله الجسم عن الدنيا، والنفس عن البرزخ، والروح عن الآخرة، وجعل الوسائط الحاكمة الناقلة لتنوّعات عوالِم الإنسان ثلاثة: مَلَك الموت، ونفخة الفَزَع، ونفخة الصَعْق.

فالموت للأّجسام، والفزع للنفوس، والصعق للأرواح، فإذا كان الإنسان في هذا الدار، كان الحكم فيها ظاهراً للجسم، وهو المشهود بمَشاهد الحسّ، والمباشر للأحكام والأفعال التي تناسبه وتليق به، والنفس وأحوالها والروح وأسرارها مندرجتان في وجوده، مختفيتان تحت حجابه وحجب صفاته وآثاره، والإمدادات متّصلة بهما بواسطته.

فإذا شاء الحقّ تعالى نقل النفس والروح إلى دار البرزخ، أمات الجسم بواسطة مَلَك الموت وأعوانه، ثمّ تنشأ النفس في البرزخ النشأة النفسانيّة الثانويّة وتكون في عالمها البرزخي، وكانت هي المشهود بحواسّها ومشاعرها، فإنّ للنفس في ذاتها سمعاً وبصراً وذوقاً وشمّاً، وهذه الحواس الدنيويّة ظلال تلك الحواسّ وحجاباتها، أوَلاَ ترى أنّها تنفتح وتعمل فعلها عند رقود هذه الحواسّ، كما في المنام - والنوم أخ الموت -.

وهي أيضاً هناك مباشرة للأحكام وقادرة على الأفعال بنفس تلك الحواسّ، لأنّ مبادي الحواسّ ومبادي الأفاعيل هناك متّحدة، والإمدادات يومئذ متصلة بالجسم والروح بواسطتها، وصورتها في البرزخ على صورة ما غلب عليها من الأعمال والأخلاق والنيّات.

فقوله تعالى:إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } [الطارق:8] - أي: على رجع النفس، والتذكير بتأويل أنّها عين الإنسان المذكور صريحاً، أو المخلوق المذكور ضمناً.

السابقالتالي
2 3