الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

اعتبر بعض المفسرين الآية الأولى رخصة من الآية في أول السورة، ولكن في هاتين الآيتين صنفان من الأعداء وقسمان من المعاملة.

الصنف الأول: عدو لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم. فهؤلاء يقول تعالى في حقهم { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ } { أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ }.

والصنف الثاني: قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم، وهؤلاء يقول تعالى فيهم: إنما ينهاكم الله أن تولوهم إذاً فهما قسمان مختلفان وحكمان متغايران، وإن كان القسمان لم يخرجا عن عموم عدوي وعدوكم المتقدم في أول السورة، وقد اعتبر بعض المفسرين الآية الأولى رخصة بعد النهي المتقدم، ثم إنها نسخت بآية السيف أو غيرها على ما سيأتي.

واعتبر الآية الثانية تأكيداً للنهي الأول، وناقش بعض المفسرين دعوى النسخ في الأولى، واختلفوا فيمن نزلت ومن المقصود منها، والوقع أن الآيتين تقسيم لعموم العدو المتقدم في قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [الممتحنة: 1]، مع بيان كل قسم وحكمه، كما تدل له قرائن في الآية الأولى، وقرائن في هاتين الآيتين على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

أما التقسيم فقسمان: قسم مسالم لم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم، فلم ينه الله المسلمين عن برهم والإقساط إليهم، وقسم غير مسالم يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم ويظاهر على إخراجهم، فنهى الله المسلمين عن موالاتهم، وفرق بين الإذن بالبر والقسط، وبين النهي عن الموالاة والمودة، ويشهد لهذا التقسيم ما في الآية الأولى من قرائن، وهي عموم الوصف بالكفر، وخصوص الوصف بإخراج الرسول وإياكم.

ومعلوم أن إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من ديارهم كان نتيجة لقتالهم وإيذائهم، فهذا السم هو المعني بالنهي عن موالاته لموقفه المعادي لأن المعاداة تنافي الموالاة.

ولذا عقب عليه بقوله تعالى: { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } فأي ظلم بعد موالاة الفرد لأعداء أمته وأعداء الله ورسوله.

أما القسم العام وهم الذين كفروا بما جاءهم من الحق لكنهم لم يعادوا المسلمين في دينهم لا بقتال ولا بإخراج ولا بمعاونة غيرهم عليهم ولا ظاهروا على إخراجهم، فهؤلاء من جانب ليسوا محلاً للموالاة لكفرهم، وليس منهم ما يمنع برهم والإقساط إليهم.

وعلى هذا فإن الآية الثانية ليس فيها جديد بحث بعد البحث المتقدم في أول السورة، وبقي البحث في الآية الأولى، ومن جانبين: الأول: بيان من المعنى بها، والثاني: بيان حكمها، وهل هي محكمة أم نسخت.

وقد اختلفت أقوال المفسرين في الأمرين، ولأهمية هذا المبحث وحاجة الأمة إليه في كل وقت، وأشد ما تكون في هذا العصر لقوة تشابك مصالح العالم وعمق تداخلها، وترابط بعضه ببعض في جميع المجالات، وعدم انفكاك دولة عن أخرى مما يزيد من وجوب الاهتمام بهذا الموضوع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6