الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

والمقصود بالنداء فى قوله - سبحانه - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ... } جميع المكلفين بها، الذين يجب عليهم أداؤها.. وناداهم - سبحانه - بصفة الإِيمان، لتحريك حرارة الإِيمان فى قلوبهم، ولتحريضهم على المسارعة إليها، إذ من شأن المؤمن القوى، أن يكون مطيعا لما يأمره خالقه به. والمراد بالنداء الأذان والإِعلام بوقت حلولها. والمقصود بالصلاة المنادى لها هنا صلاة الجمعة، بدليل قوله - تعالى - { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ }. واللام فى قوله { لِلصَّلاَةِ } للتعليل، و { مِن } بمعنى فى، أو للبيان، أو للتبعيض، لأن يوم الجمعة زمان، تقع فيه أعمال، منها الصلاة المعهودة فيه وهى صلاة الجمعة لأن الأمر بترك البيع خاص بها، لوجود الخطبة فيها. وقوله { فَٱسْعَوْاْ... } جواب الشرط، من السعى، وهو المشى السريع. والمراد به هنا المشى المتوسط بوقار وسكينة، وحسن تهيؤ لصلاة الجمعة.. قال الآلوسى ما ملخصه قوله { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } أى امشوا إليه بدون إفراط فى السرعة.. فقد أخرج الستة فى كتبهم عن أبى سلمة من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ". والمراد بذكر الله الخطبة والصلاة جميعا، لاشتمالهما عليه، واستظهر بعضهم أن المراد به الصلاة، وقصره بعضهم على الخطبة... وإنما عبر - سبحانه - بالسعى لتضمنه معنى زائدا على المشى، وهو الجد والحرص على التبكير، وعلى توقى التأخير. والمعنى يامن آمنتم بالله حق الإِيمان، إذا نادى المنادى لأجل الصلاة فى يوم الجمعة، فامضوا إليها بجد، وإخلاص نية، وحرص على الانتفاع بما تسمعونه من خطبة الجمعة، التى هى لون من ألوان ذكر الله - تعالى - وطاعته. والأمر فى قوله - سبحانه - { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ.. } الظاهر أنه للوجوب، لأن الأمر يقتضى الوجوب، ما لم يوجد له صارف عن ذلك، ولا صارف له هنا. والمراد من البيع هنا المعاملة بجميع أنواعها، فهو يعم البيع والشراء وسائر أنواع المعاملات. أى إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة، فاخرجوا إليها بحرص وسكينة ووقار. واتركوا المعاملات الدنيوية من بيع، وشراء، وإجارة، وغيرها. وإنما قال - سبحانه - { وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ... } لأنه أهم أنواع المعاملات، فهو من باب التعبير عن الشىء بأهم أجزائه. واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعود إلى ما سبق ذكره من الأمر بالسعى إلى ذكر الله، متى نودى للصلاة، وترك الاشتغال بالبيع وما يشبهه. أى ذلك الذى أمرتكم به من السعى إلى ذكر الله عند النداء للصلاة من يوم الجمعة، ومن ترك أعمالكم الدنيوية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6