الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }

الوأد: الثقل، كما في قوله تعالى:وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } [البقرة: 255].

والموءودة: المثقلة بالتراب حتى الموت، وهي الجارية، كانت تدفن حية، فكانوا يحفرون لها الحفرة ويلقونها فيها، ثم يهيلون عليها التراب.

وقوله تعالى: { بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } إشعار بأنه لا ذنب لها، فتقتل بسببه، بل الجرم على قاتلها.

ولكن لعظم الجرم يتوجه السؤال إليها تبكيتاً لوائدها.

وقد جاء عن عمر رضي الله عنه قوله: أمران في الجاهلية. أحدهما: يبكيني والآخر يضحكني.

أما الذي يبكيني: فقد ذهبت بابنة لي لوأدها، فكنت أحفر لها الحفرة وتنفض التراب عن لحيتي وهي لا تدري ماذا أريد لها، فإذا تذكرت ذلك بكيت.

والأخرى: كنت أصنع إلهاً من التمر أضعه عند رأس يحرسني ليلاً، فإذا أصبحت معافى أكلته، فإذا تذكرت ذلك ضحكت من نفسي.

أما سبب إقادامهم على هذه الجريمة الشنيعة وما دفعهم على ارتكابها، فقد ناقشه الشيخ رحمه الله تعالى علينا وعليه بتوسع، عند قوله تعالى من سورة النحل:وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [النحل: 57-59].

وبهذه المناسبة، فإن هنا تنبيهين لا بد من إيرادهما.

الأول منهما: ما يشبه الوأد في هذه الآونة الحديثة، وهو التعرض لمنع الحمل بأي وسيلة كانت.

وقد بحثت هذه المسألة قديماً وحديثاً. أما قديماً ففي عملية العزل، وجاء فيه حديث جابر " كنا نعزل والقرآن ينزل " رواه مسلم. زاد إسحاق قال سفيان: لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن. وجاء فيه: فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا.

كما جاء التحذير الشديد في حديث حذامة بنت وهب أخت عكاشة قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس قال: " " لقد هممت أن أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا " ، فسألوه عن العزل، فقال: " ذلك الوأد الخفي " ".

زاد عبد الله في حديثه عن المقري زيادة وهي: وإذا الموءودة سئلت.

ففي الحديث الأول: ما يفيد التقرير.

وفي الثاني: ما يفيد شدة النكير.

وجاء في صحيح مسلم أيضاً " عن أبي سعيد " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق، فسبينا كرائم العرب، فطالت علينا الغربة، ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا: نفعل ذلك؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، لا نسأله، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون " ".


السابقالتالي
2