قال الله: { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } أي كخوار البقرة. وقال مجاهد: له خوار، حفيف الريح فيه. { فَقَالُوا هَذَآ إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسَى فَنَسِيَ } أي فنسي موسى. يقول: إنما طلب هذا ولكنه نسيه، خالف في الطريق طريقاً اخر. قال الله تعالى: { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } أي: من قبل أن يرجع إليهم موسى حين اتخذوا العجل: { يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ } أي بالعجل { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ } أي لا نزول { عَاكِفِينَ } أي نعبده { حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى }. { قَالَ } موسى لهارون لما رجع ورأى أنهم اتخذوا العجل: { يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي. قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } وقد قال في آية أخرى:{ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } [الأعراف: 150]. { إنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } أي: ولم تنتظر أمري، يعني الميعاد برجوعه، ولقد تركتهم وجئت، وقد استخلفتك فيهم. يقول لو اتبعتك وتركتهم لخشيت أن تقول لي هذا القول. ثم أقبل موسى على السامري فـ { قَالَ } له: { فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ } أي ما حاجتك؟ { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ } يعني بني إسرائيل { فَنَبَذتُّهَا } أي: ألقيتها في العجل، أي حين صاغه، وكان صائغاً. فخار العجل، وهي في قراءة ابن مسعود: من أثر الفرس؛ كان أخذها من أثر فرس جبريل فَصَرَّها في عمامته يوم قطع البحر فكانت معه. ذكر ابن عباس أن هارون أتى على السامري وهو يصنع. فقال: ما تصنع؟ قال: أصنع ما يضر ولا ينفع. فقال هارون: اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه. فلما صنعه قال: اللهم إني أسألك أن يخور، فخار العجل، وذلك لدعوة هارون. قوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أي: وكذلك زيّنت لي نفسي: أي: وقع في نفسي إذا ألقيتها في العجل خار. { قَالَ } له موسى: { فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } أي: حياة الدنيا، أي: لا تماس الناس ولا يماسونك، فهذه عقوبتك في الدنيا ومن كان على دينك إلى يوم القيامة. والسامرة صنف من اليهود؛ وبقايا السامرة حتى الآن بأرض الشام يقولون: لا مساس. قال: { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً } يعني يوم القيامة { لَنْ تُخْلَفَهُ } أي: توافيه فيجزيك الله فيه بأسوأ عملك. وقال بعضهم: { لَنْ تُخْلَفَهُ } أي: لن تغيب عنه. { وَانظُرْ إِلَى إلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } أي: صرت عليه عاكفاً، أي: عابداً { لَّنُحرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليَمِّ نَسْفاً }. قال بعضهم: [لَنبرِدَنَّهُ ثم لننسفنَّه في اليم نسفاً] وقال الكلبي: ذبحه موسى، ثم أحرقه بالنار، ثم ذَرَاه في البحر. وهذا في قول من قال: إنه تحوّل لحماً ودماً. وقوله: { لَنَنسِفَنَّهُ } هو حين ذَرَاه في البحر.