الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }

{ وما قَدرُوا الله حقَّ قَدْره } قال الأخنس ما عرفوا الله حق معرفته، يقال قدرت الشئ أى عرفت قدره بصفاته، ومن لم يعرفهُ بصفته قيل لم يقدره أى قدره، وفى الحديث " إذا غم عليكم فاقدروا له " أى فاعرفوه بإتمام عدة شعبان، ولما كان قدر الشئ طريقاً وسبباً إلى أن يعرف الشئ به استعمل لفظ قدر بمعنى عرف، والمراد حق قدره فى النعمة، إذ جعلوا أعظم النعمة وهو بعث الرسل والوحى باطلا غير موجود، أو قدره فى السخط والبطش على من قال مثل ما قالوا من الكفرة، أو قدره فى ذلك كله وسائر صفاته، فعن أبى العالية ما وصفوا الله حق صفته، ولفظ الفخر عنه ما وصفوه حق قدرته وعظمته، وعن ابن عباس ما عظموا الله حق عظمته، هذا لفظ الفخر عنه، وفى رواية عنه ما آمنوا أن الله على كل شئ قدير، وتلك معان صحيحة يرفع بعضها إلى بعض. { إذ قالُوا ما أنزلَ اللهُ عَلى بشرٍ مِنْ شَئٍ } لا وحى ولا كتاب ولا رسول ولا نبى من الله، وذلك أن النبوة والرسالة بالوحى، فإنكار الوحى لهما وللكتاب، وضمير قدروا وقالوا لليهود على قول الجمهور وهو الصحيح، وكانوا يختلطون بقريش فى مكة وغيرها قبل الهجرة، وقد قالوا ذلك، فلما أنزلت سورة الأنعام جملة فى مكة، أنزل ذلك فيها رداً عليهم، إذ أنكروا الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكروا إنزال القرآن عليه، وأنكروا كونه نبياً ورسولا، وبالغوا فى ذلك حتى أنكروا غيره من الأنبياء والوحى إليهم، مبالغة فى إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن ذلك فى اليهود لعنهم الله قوله تعالى { قُلْ مَنْ انْزل الكتاب الَّذى جَاء به مُوسَى نُوراً وهُدًى للنَّاس تَجْعلونَه قَراطِيسَ تُبدونَها وتُخْفون كَثيراً } فإن غير اليهود لا يقرون بموسى عليه السلام والتوراة، فكيف يحتج على غيرهم بهما إذ أنكروا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، وقريش لو خالطوا اليهود وذاكرو موسى والتوراة، وتناولوا الإيمان بهما، لكن لم يَبلغوا من الإيمان بهما بحيث يحتج عليهم بهما إذ لم يرسخ ذلك، والذين يجعلون التوراة قراطيسَ يبدونها ويخفون كثيراً هم اليهود لا غيرهم، والخطاب لهم، ومن قرأ يجعلونه ويبدونها ويخفون بالمثناة التحتية وهو ابن كثير وأبو عمرو راعى قوله تعالى { قالوا } وقوله تعالى { وما قدروا الله } واليهود ولو لم يقرءوا التوراة وموسى، لكن فيهم من أنكرهما مبالغة لغضبه، وقوله { قالوا احكم } على المجموع وأيضا أنهم ولو أنكروا ذلك على قائله وعزلوه لم يفعلوا ذلك لله ولا من قلوبهم، لكنهم رأوا منه ما لا يروج عنهم، فأظهروا الإنكار، فلو نفع ذلك فى إبطال دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم ينكروه ولم يعزلوه.

السابقالتالي
2 3 4