الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: روي أنه لما نزلت آية تحريم الخمر قالت الصحابة: إن إخواننا كانوا قد شربوا الخمر يوم أحد ثم قتلوا فكيف حالهم، فنزلت هذه الآية والمعنى: لا إثم عليهم في ذلك لأنهم شربوها حال ما كانت محللة، وهذه الآية مشابهة لقوله تعالى في نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبةوَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [البقرة: 143] أي إنكم حين استقبلتم بيت المقدس فقد استقبلتموه بأمري فلا أضيع ذلك، كما قال:فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [آل عمران: 195]. المسألة الثانية: الطعام في الأغلب من اللغة خلاف الشراب، فكذلك يجب أن يكون الطُّعْمُ خلاف الشرب، إلا أن اسم الطعام قد يقع على المشروبات، كما قال تعالى:وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى } [البقرة: 249] وعلى هذا يجوز أن يكون قوله { جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ } أي شربوا الخمر، ويجوز أن يكون معنى الطُّعْمُ راجعاً إلى التلذذ بما يؤكل ويشرب، وقد تقول العرب: تطعم تطعم أي ذق حتى تشتهي وإذا كان معنى الكلمة راجعاً إلى الذوق صلح للمأكول والمشروب معاً. المسألة الثالثة: زعم بعض الجهال أنه تعالى لما بيّن في الخمر أنها محرّمة عندما تكون موقعة للعداوة والبغضاء وصادة عن ذكر الله وعن الصلاة، بيّن في هذه الآية أنه لا جناح على من طعمها إذا لم يحصل معه شيء من تلك المفاسد، بل حصل معه أنواع المصالح من الطاعة والتقوى، والاحسان إلى الخلق. قالوا: ولا يمكن حمله على أحوال من شرب الخمر قبل نزول آية التحريم، لأنه لو كان المراد ذلك لقال: ما كان جناح على الذين طعموا، كما ذكر مثل ذلك في آية تحويل القبلة فقالوَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [البقرة: 143] ولكنه لم يقل ذلك، بل قال: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ } إلى قوله { إذا ما اتقوا وآمنوا } ولا شك أن إذا للمستقبل لا للماضي. واعلم أن هذا القول مردود بإجماع كل الأمة وقولهم: إن كلمة إذا للمستقبل لا للماضي. فجوابه ما روى أبو بكر الأصم: أنه لما نزل تحريم الخمر، قال أبو بكر: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وفعلوا القمار وكيف بالغائبين عنا في البلدان لا يشعرون أن الله حرّم الخمر وهم يطعمونها، فأنزل الله هذه الآيات، وعلى هذا التقدير فالحل قد ثبت في الزمان المستقبل عن وقت نزول هذه الآية لكن في حق الغائبين الذين لم يبلغهم هذا النص. المسألة الرابعة: أنه تعالى شرط لنفي الجناح حصول التقوى والايمان مرتين وفي المرة الثالثة حصول التقوى والاحسان واختلفوا في تفسير هذه المراتب الثلاث على وجوه قال الأكثرون: الأول: عمل الاتقاء، والثاني: دوام الاتقاء والثبات عليه، والثالث: اتقاء ظلم العباد مع ضم الاحسان إليه.

السابقالتالي
2