الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

المعنى:

تقديره واذكروا إذ أخذنا ميثاقكم وعهودكم بان تأخذوا ما آتيناكم من التوراة التي انزلها الله على موسى بجد واجتهاد، ومعناه اقبلوا ما سمعتم، كما قيل سمع الله لمن حمده: اي قبل الله حمده قال الراجز:
بالحمد والطاعة والتسليم   خير واعفى لفتى تميم
فصار تقدير الآية: { وإذ أخذنا ميثاقكم } بأن { خذوا ما آتيناكم بقوة } واعملوا بما سمعتم واطيعوا الله { ورفعنا فوقكم الطور } من اجل ذلك.

وقوله: { قالوا سمعنا وعصينا } كأن الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن كان الابتداء بالخطاب، لما تقدّم ذكره من ابتداء الكلام، اذ كان حكاية. والعرب تخاطب، ثم تعود بعد ذلك إلى الخبر عن الغائب، ثم تخاطب، لان قوله: { وإذ أخذنا ميثاقكم } بمعنى قلنا لكم، فأجبتمونا، وقوله: " سمعنا " إخبار من الله تعالى عن اليهود الذين أخذنا ميثاقهم ان يعملوا بما في التوراة، وان يطيعوا الله بما يسمعون منها انهم قالوا حين قيل لهم ذلك: سمعنا قولك، وعصينا أمرك ويحتمل ان يكون ما قالوه لكن فعلوا ما يدل على ذلك، فقام الفعل مقام القول. كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني   مهلا رويداً قد ملات بطني
وقوله: { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } فيه وجوه:

احدهما ـ ما قال قتادة وابو العالية: واشربوا في قلوبهم حب العجل. يقال أشرب قلبه حبّ كذا وكذا قال زهير:
فصحوت عنها بعد حبّ داخل   والحبّ يثربه فؤداك داء
وقالت اعرابية:
باهلي من عادى ونفسي فداؤه   به هام قلبي منذ حين ولا يدري
هوى اشربته النفس ايام جهلها   ولحّ عليه القلب في سالف الدهر
وقال السدي: لما رجع موسى إلى قومه اخذ العجل الذي وجدهم عاكفين عليه، فذبحه ثم حرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه، ثم قال اشربوا فشربوا، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذّهب. والاول عليه اكثر محصلي المفسرين وهو الصحيح، لان الماء لا يقال فيه: أشرب منه فلان في قلبه، وانما يقال ذلك: في حب الشيء على ما بيناه، ولكن يترك ذكر الحب اكتفاء بفهم السامع، لمعنى الكلام، اذ كان معلوماً ان العجل لا يشربه القلب وان الذي اشرب منه حبّه. كما قال { واسأل القرية } وانما اراد اهلها. كما قال الشاعر:
حسبت بغام راحلتي عناقاً   وما هي ويب غيرك بالعناق
يريد بذلك حسبت بغام راحلتي بغام عناق. وقال طرفه بن العبد:
ألا إنني سقيّت اسود حالكا   ألا بجلي من الشراب ألا بجل
يريد بذلك سقيت سما اسود، فاكتفى بذكر (اسود) عن ذكر (السم) لمعرفة السامع بمعنى ما اراد بقوله سقيت اسود. وقال آخر:
وكيف تواصل من أصبحت   خلالته كأبي مرحب؟

السابقالتالي
2