الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

النزول: " نزلت في مقيس بن صبابة الكناني وجد أخاه هشاماً قتيلاً في بني النجار فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل معه قيس بن هلال الفهري وقال له: " قل لبني النجار إن علمتم قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتصَّ منه وإن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته " " فبلغ الفهري الرسالة فاعطوه الدية، فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان فقال: ما صنعت شيئاً أخذت دية أخيك فيكون سُبَّة عليك، اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدية فَضْلُ فرماه بصخرة فقتله وركب بعيراً ورجع إلى مكة كافراً وأنشد يقول:
قَتَلْتُ بِهِ فَهْــراً وَحَمَّلْــتُ عَقْلَــهُ   سَراةَ بَني النَّجارِ أرْبابَ فارعِ
فَأدْرَكْتُ ثَأرِي واضْطَجَعْتُ مُوَسَّداً   وَكُنْتُ إلى الأوْثانِ أوَّلَ راجــعِ
فقال النبي: " لا أؤمنه في حلّ ولا حرم " فقتل يوم الفتح رواه الضحاك وجماعة من المفسرين. المعنى: لمَّا بيَّن تعالى قتل الخطأ وحكمه عَقَّبه ببيان قتل العمد وحكمه فقال { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } أي قاصداً إلى قتله عالماً بإيمانه وحرمة قتله وعصمة دمه. وقيل: معناه مستحلاً لقتله عن عكرمة وابن جريج وجماعة. وقيل: معنى التعمد أن يقتله على دينه رواه العياشي بإسناده عن الصادق ع { فجزاؤه جهنَّم خالداً } مقيماً { فيها وغضب الله عليه ولعنه } أبعده من الخير وطرده عنه على وجه العقوبة { وأعدَّ له عذاباً عظيماً } ظاهر المعنى. وصفة قتل العمد أن يقصد قتل غيره بما جرت العادة بأن يقتل مثله سواء كان بحديدة حادة كالسلاح أو بخنق أو سمّ أو إحراق أو تغريق أو موالاة ضرب بالعصا أو بالحجارة حتى يموت فإن جميع ذلك عمد يوجب القودَ وبه قال إبراهيم والشافعي وأصحابه. وقال قوم لا يكون قتل العمد إلا بالحديد وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس وأبو حنيفة وأصحابه. وأما القتل شبيه العمد فهو أن يضرب بعصا أو غيرها مما لم تجر العادة بحصول الموت عنده فيموت ففيه الدية مغلظة تلزم القاتل خاصة في ماله دون العاقلة وفي هذه الآية وعيد شديد لمن قتل مؤمناً متعمداً حَرَّم الله به قتل المؤمن وغلَّظ فيه وقال جماعة من التابعين: الآية اللينة وهيإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48] نزلت بعد الشديدة وهي: { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } وقال أبو مجلز في قولـه: { فجزاؤه جهنم خالداً فيها } فهي جزاؤه إن جازاه. ويروى هذا أيضاً عن أبي صالح ورواه أيضاً العياشي بإسناده عن أبي عبد الله ع وقد روي أيضاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هو جزاؤه إن جازاه وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قولـه: { فجزاؤه جهنم } قال: هي جزاؤه فإن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له.

السابقالتالي
2 3