الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }

{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ } من ذهب كما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما، وأصله الزينة وإطلاقه على الذهب لأن الزينة به أرغب وأعجب، وقرأ عبد الله { من ذهب } وجعل ذلك في «البحر» تفسيراً لا قراءة لمخالفته سواد المصحف { أَوْ تَرْقَىٰ فِى ٱلسَّمَاء } أي تصعد في معارجها فحذف المضاف يقال رقي في السلم والدرجة والظاهر أن السماء هنا المظلة، وقيل: المراد المكان العالي وكل ما ارتفع وعلا يسمى سماء قال الشاعر:
وقد يسمى سماء كل مرتفع   وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
{ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ } أي لأجل رقيك فيها وحده أو لن نصدق رقيك فيها { حَتَّى تُنَزِّلَ } منها { عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ } بلغتنا على أسلوب كلامنا وفيه تصديقك.

{ قُلْ } تعجباً من شدة شكيمتهم وفرط حماقتهم { سُبْحَـٰنَ رَبّى } أو قل ذلك تنزيهاً لساحة الجلال عما لا يكاد يليق بها من مثل هذه الاقتراحات التي تضمنت ما هو من أعظم المستحيلات كإتيان الله تعالى على الوجه الذي اقترحوه أو عن طلب ذلك، وفيه تنبيه على بطلان ما قالوه. وقرأ ابن كثير وابن عامر { قال سبحان ربي } أي قال النبـي صلى الله عليه وسلم: { هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً } كسائر الرسل عليهم السلام وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله تعالى على أيديهم حسبما تقتضيه الحكمة من غير تفويض إليهم فيه ولا تحكم منهم عليه سبحانه، و { بشرًا } خبر كان و { رسولاً } صفته وهو معتمد الكلام وكونه بشراً توطئة لذلك رداً لما أنكروه من جواز كون الرسول بشراً ودلالة على أن الرسل عليهم السلام من قبل كانوا كذلك ولهذا قال الزمخشري هل كنت إلا رسولاً كسائر الرسل بشراً مثلهم، وزعم بعض أن ذكر { بَشَرًا } ليس للتوطئة فإن طلب القوم منه عليه الصلاة والسلام ما طلبوه يحتمل أن يكون طلب أن يأتي به بقدرة نفسه صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون طلب أن يأتي به بقدرة الله تعالى فذكر { بَشَرًا } لنفي أن يأتي بذلك بقدرة نفسه كأنه قال: هل كنت إلا بشراً والبشر لا قدرة له على الإتيان بذلك، وذكر رسولاً لنفي أن يأتي به بقدرة الله تعالى كأنه قيل هل كنت إلا رسولاً والرسول لا يتحكم على ربه سبحانه. / وتعقب بأن هذا مع ما فيه من مخالفة الآثار كما ستعلمه قريباً إن شاء الله تعالى ظاهر في جعل الاسمين خبرين وهو مما يأباه الذوق السليم، وقال الخفاجي: إن كون الاسمين خبرين غير متوجه لأنه يقتضي استقلالها وأنهم أنكروا كلاً منهما حتى رد عليهم بذلك ولم ينكر أحد بشريته صلى الله عليه وسلم، وتعقب بأنهم لما طلبوا منه عليه الصلاة والسلام ما لا يتأتى من البشر كالرقي في السماء كانوا بمنزلة من أنكر بشريته وهو كما ترى.

السابقالتالي
2 3