الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

فنزلت هذه الآية في شأنه، إن جزاءه جهنم خالداً فيها وكل من يعمل مثل عمله ثم قال عز وجل { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي يقول: إذا خرجتم، وصرتم في الجهاد { فَتَبَيَّنُواْ } نزلت الآية " في شأن أسامة بن زيد، لقي رجلاً يقال له: مرداس، فقال له مرداس: لا إله إلا الله، وسلم عليهم، وقال: السلام عليكم، إني مؤمن فقتله أسامة ولم يصدقه بأنه مسلم، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقتلت رجلاً يقول: لا إله إلا الله، فقال أسامة إنه قال بلسانه دون قلبه. فقال - صلى الله عليه وسلم -: هلا شققت عن قلبه، فقال أسامة: استغفر لي، فقال له: فكيف لك بلا إله إلا الله. ثلاث مرات، ثم استغفر له الرابعة، وأمره بأن يعتق رقبة " وروى شهر بن حوشب، عن جندب بن سفيان، عن رجل من بجيلة قال: " كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه بشير من السرية، فأخبره بالفتح، وقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما نحن نطلب القوم، وقد هزمهم الله تعالى، فقصدت رجلاً بالسيف، فلما أحس أن السيف واقع به، فقال: إني مسلم، فقتلته، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقتلت مسلماً! فقال: يا رسول الله؛ إنه قال متعوّذاً، فقال - صلى الله عليه وسلم - أفلا شققت عن قلبه! فقال يا رسول الله: استغفر لي، فقال: لا استغفر لك " ، فمات الرجل فدفنوه ثم أصبح على وجه الأرض، ثم دفنوه، ثم أصبح على وجه الأرض ثلاث مرات فلما رأى ذلك قومه، استحيوا وحزنوا، فحملوه وألقوه في شعب من تلك الشعاب، فنزلت هذه الآية: { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ } أي قفوا وانظروا من تقتلون. قرأ حمزة والكسائي (فتثبتوا) بالثاء، وقرأ الباقون (فتبينوا) بالباء، فمن قرأ بالثاء فهو من التثبت، يقول: قفوا، ولا تعجلوا في الأمر حتى يتبين لكم الكافر من المسلم، ومن قرأ بالباء، فهو من التبين، ومعناهما قريب. ثم قال تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } قرأ أبو عمرو، وعاصم، وابن كثير، والكسائي: (السلام) بالألف. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة: (السلم) بغير ألف، وأما من قرأ: (السلام)، فلأن مرداساً قال لهم: السلام عليكم، وأما من قرأ (السلم)، فهو الدخول والانقياد، والمتابعة، يعني إن انقاد لكم، وتابعكم فلا تقولوا له: لست مؤمناً، وأسلم، واستسلم بمعنى واحد، أي دخل في الانقياد، كما تقول: أشتى الرجل، إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع.

السابقالتالي
2