الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُو }؛ قال ابنُ عبَّاس: " نَزَلَتْ فِي مِرْدَاسِ بْنِ نُهَيْكٍ؛ كَانَ مُسْلِمَاً لَمْ يُسْلِمْ مِنْ قَوْمِهِ غَيْرُهُ، فَسَمِعُوا بسَرِيَّةٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُرِيْدُهُمْ فَهَرَبُوا كُلُّهُمْ، وأَقَامَ الرَّجُلُ فِي غَنَمِهِ؛ لأَنَّهُ كَانَ عَلَى دِيْنِ الْمُسْلِمِيْنَ، فَلَمَّا رَأَى الْخَيْلَ خَافَ أنْ يَكُونُواْ مِنْ غَيْرِ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَلْجَأَ غَنَمَهُ إلَى عَاقُولٍ مِنَ الْجَبَلِ وَهُوَ الْعِوَجُ، فَلَمَّا سَمِعَهُمْ يُكَبرُونَ عَرَفَ أنَّهُمُ الصَّحَابَةُ؛ فَكَبَّرَ وَنَزَلَ وَهُوَ يَقُولُ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ؛ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَغَشَاهُ أسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَتَلَهُ وَسَاقَ غَنَمَهُ، وَكَانَ أمِيْرُ السَّرِيَّةِ غَالِبَ بْنَ فُضَالَةَ اللَّيْثِيّ، ثُمَّ رَجَعُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذلِكَ وَجْداً شَدِيْداً وَقَالَ: " قَتَلْتُمُوهُ إرَادَةَ مَا مَعَهُ " فأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ؛ فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أسَامَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: " فَكَيْفَ بلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ!؟ " قَالَ ذلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، وَأَمَرَهُ أنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً ".

وعن الحسن: (أنَّ أنَاساً مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ لَقُوا أنَاساً مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ، فَشَدَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَمَعَهُ مَتَاعٌ، فَلَمَّا غَشِيَهُ السَّيْفُ قَالَ: إنِّي مُسْلِمٌ، فَكَذبَهُ ثُمَّ أوْجَرَ السِّنَانَ وَأخَذ مَتَاعَهُ، وَكَانَ وَاللهِ قَلِيْلاً، فَأُخْبرَ بذلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

قالَ جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَان: " وَلَقَدْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ جَاءَ السَّيْفُ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ بَيْنَما نَحْنُ نَطْلُبُ الْقَوْمَ وَقَدْ هَزَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى إذْ لَحِقْتُ رَجُلاً بالسَّيْفِ، فَلَمَّا أحَسَّ السَّيْفَ وَاقِعٌ بهِ، قَالَ: إنِّي مُسْلِمٌ؛ إنِّي مُسْلِمٌ؛ فَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " قَتَلْتَ مُسْلِماً! " قَالَ: يَا نَبيَّ اللهِ؛ إنَّهُ قَالَ ذلِكَ مُتَعَوِّذاً، فَقَالَ: " فَهَلاَّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبهِ! فَنَظَرْتَ أصَادِقاً هُوَ أمْ كَاذِباً " قَالَ: لَوْ شَقَقْتُ عَنْ قَلْبهِ مَا كَانَ يُعْلِمُنِي؛ هَلْ قَلْبُهُ إلاَّ بضْعَةٌ مِنْ لَحْمٍ، قَالَ: " فَأنْتَ قَتَلْتَهُ؛ لاَ مَا فِي قَلْبهِ عَلِمْتَ؛ وَلاَ لِسَانَهُ صَدَّقْتَ؛ إنَّمَا يُعَبرُ عَنْهُ لَِسانُهُ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: " لاَ أسْتَغْفِرُ لَكَ " قَالَ: فَمَا لَبثَ الْقَاتِلُ أنْ مَاتَ فَدَفَنُوهُ؛ فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ إلَى جَانِب قَبْرِهِ، فَعَادُواْ فَحَفَرُواْ لَهُ وَأمْكَنُوا فَدَفَنُوهُ؛ فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ ثَلاَث مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ قَوْمُهُ اسْتَحْيَوا وَحَزِنُوا وَأخَذُواْ برِجْلِهِ فَألْقَوْهُ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَاب، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لاَ؛ إنَّهَا لَتَنْطَبقُ عَلَى مَنْ هُوَ أعْظَمُ جُرْماً مِنْهُ، وَلَكِنْ أرَادَ اللهُ أنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ حُرْمَةَ الدَّمِ ".


السابقالتالي
2