الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

الجملة مستأنفة ابتدائية تعداد لأحوالهم. ومعناها ناشىء عن مضمون جملةلن نؤمن لكم } التوبة 94 تنبيهاً على أنهم لا يرعَوُون عن الكذب ومخادعة المسلمين، فإذا قيل لهملن نؤمن لكم } التوبة 94حلفوا على أنهم صادقون ترويجاً لخداعهم وهذا إخبار بما سيلاقِي به المنافقون المسلمين قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو. و { إذا } هنا ظرف للزمن الماضي. وحذف المحلوف عليه لظهوره، ولتقدم نظيره في قولهوسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم } التوبة 42 إلا أن ما تقدم في حلفهم قبل الخروج. والانقلاب الرجوع، وتقدم في قولهانقلبتم على أعقابكم } في آل عمران 144. وصرح بعلة الحلف هنا أنه لقصد إعراض المسلمين عنهم، أي عن عتابهم وتقريعهم، للإشارة إلى أنهم لا يقصدون تطييب خواطر المسلمين ولكن أرادوا التملّص من مسبة العتاب ولَذْعِه. ولذلك قال في الآيتين الأخريينيحلفون بالله لكم ليرضوكم } التوبة 62يحلفون لكم لترضَوا عنهم } التوبة 96 لأنّ ذلك كان قبل الخروج إلى الغزو فلما فات الأمر وعلموا أن حلفهم لم يصدقه المسلمون صاروا يحلفون لقصد أن يُعرض المسلمون عنهم. وأدخل حرف عن على ضمير المنافقين بتقدير مضاف يدل عليه السياق لظهور أنهم يريدون الإعراض عن لومهم. ففي حذف المضاف تهيئة لتفريع التقريع الواقع بعده بقوله { فأعرضوا عنهم } ، أي فإذا كانوا يرومون الإعراض عنهم فأعرضوا عنهم تماماً. وهذا ضرب من التقريع فيه إطماع للمغضوب عليه الطالب بأنّه أجيبت طِلبته حتى إذا تأمّل وجد ما طمع فيه قد انقلب عكس المطلوب فصار يأساً لأنهم أرادوا الإعراض عن المعاتبة بالإمساك عنها واستدامة معاملتهم معاملةَ المسلمين، فإذا بهم يواجهون بالإعراض عن مكالمتهم ومخالطتهم وذلك أشد مما حلفوا للتفادي عنه. فهم من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه أو من القول بالموجَب. وجملة { إنهم رجس } تعليل للأمر بالإعراض. ووقوع إنّ في أولها مؤذن بمعنى التعليل. والرجس الخبث. والمراد تشبيههم بالرجس في الدناءة ودنس النفوس. فهو رجس معنوي. كقولهإنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } المائدة 90. والمأوى المصير والمرجع. و { جزاء } حال من { جهنم } ، أي مجازاة لهم على ما كانوا يعملون.