الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: المراد بالصيد المصيد، وجملة ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس، الحيتان وجميع أنواعها حلال، والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلفوا فيما سوى هذين. فقال أبو حنيفة رحمه الله إنه حرام. وقال ابن أبي ليلى والأكثرون إنه حلال، وتمسكوا فيه بعموم هذه الآية، والمراد بالبحر جميع المياه والأنهار. المسألة الثانية: أنه تعالى عطف طعام البحر على صيده والعطف يقتضي المغايرة وذكروا فيه وجوهاً: الأول: وهو الأحسن ما ذكره أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته والطعام ما يوجد مما لفظه البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة في أخذه هذا هو الأصح مما قيل في هذا الموضع. والوجه الثاني: أن صيد البحر هو الطري، وأما طعام البحر فهو الذي جعل مملحاً، لأنه لما صار عتيقاً سقط اسم الصيد عنه، وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومقاتل والنخعي وهو ضعيف لأن الذي صار مالحاً فقد كان طرياً وصيداً في أول الأمر فيلزم التكرار. والثالث: أن الاصطياد قد يكون للأكل وقد يكون لغيره مثل اصطياد الصدف لأجل اللؤلؤ، واصطياد بعض الحيوانات البحرية لأجل عظامها وأسنانها فقد حصل التغاير بين الاصطياد من البحر وبين الأكل من طعام البحر والله أعلم. المسألة الثالثة: قال الشافعي رحمه الله: السمكة الطافية في البحر محللة. وقال أبو حنيفة رحمه الله محرّمة: حجة الشافعي القرآن والخبر، أما القرآن فهو أنه يمكن أكله فيكون طعاماً فوجب أن يحل لقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } وأما الخبر فقوله عليه السلام في البحر: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته ". المسألة الرابعة: قوله { للسيارة } يعني أحلّ لكم صيد البحر للمقيم والمسافر، فالطري للمقيم، والمالح للمسافر. المسألة الخامسة: في انتصاب قوله { مَتَـٰعاً لَّكُمْ } وجهان: الأول: قال الزجاج انتصب لكونه مصدراً مؤكداً إلا أنه لما قيل: { أُحِلَّ لَكُمُ } كان دليلاً على أنه منعم به، كما أنه لما قيلحُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ } [النساء: 23] كان دليلاً على أنه كتب عليهم ذلك فقالكِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [النساء: 24] الثاني: قال صاحب «الكشاف» انتصب لكونه مفعولاً له، أي أحل لكم تمتيعاً لكم. ثم قال تعالى: { وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً }. وفيه مسائل: المسألة الأولى: أنه تعالى ذكر تحريم الصيد على المحرم في ثلاثة مواضع من هذه السورة من قولهغَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 1] إلى قولهوَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ } [المائدة: 2] ومن قولهلاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 95] إلى قوله { وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً }.

السابقالتالي
2