الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }

{ قَالَ } أي السامري مجيباً له عليه السلام { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } بضم الصاد فيهما أي علمت ما لم يعلمه القوم وفطنت لما لم يفطنوا له، قال الزجاج يقال: بصر بالشيء إذا علمه وأبصر إذا نظر، وقيل: بصره وأبصره بمعنى واحد؛ وقال الراغب: ((البصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر ويقال من الأول أبصرت ومن الثاني أبصرته وبصرت به وقلما يقال: بصرت في الحاسة إذا لم يضامه رؤية القلب)) اهـ.

/ وقرأ الأعمش وأبو السمال { بصرت } بكسر الصاد { بِمَا لَمْ يبصروا } بفتح الصاد. وقرأ عمرو بن عبيد { بصرت } بضم الباء وكسر الصاد { بما لم تبصروا } بضم التاء المثناة من فوق وفتح الصاد على البناء للمفعول. وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبـي ليلى وابن مناذر وابن سعدان وقعنب { بما لم تبصروا } بالتاء الفوقانية المفتوحة وبضم الصاد. والخطاب لموسى عليه السلام وقومه. وقيل: له عليه السلام وحده وضمير الجمع للتعظيم كما قيل في قوله تعالى:رَبّ ٱرْجِعُونِ } [المؤمنون: 99] وهذا منقول عن قدماء النحاة وقد صرح به الثعالبـي في «سر العربية»، فما ذكره الرضي من أن التعظيم إنما يكون في ضمير المتكلم مع الغير كفعلنا غير مرتضى وإن تبعه كثير. وادعى بعضهم أن الأنسب بما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله: { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى } تفسير بصر برأى لا سيما على القراءة بالخطاب فإن ادعاء علم ما لم يعلمه موسى عليه السلام جراءة عظيمة لا تليق بشأنه ولا بمقامه بخلاف ادعاء رؤية ما لم يره عليه السلام فإنه مما يقع بحسب ما يتفق. وقد كان فيما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رأى جبريل عليه السلام يوم فلق البحر على فرس فعرفه لما أنه كان يغذوه صغيراً حين خافت عليه أمه فألقته في غار فأخذ قبضة من تحت حافر الفرس وألقى في روعه أنه لا يلقيها على شيء فيقول: كن كذا إلا كان. وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه رآه عليه السلام راكباً على فرس حين جاء ليذهب بموسى عليهما السلام إلى الميقات ولم يره أحد غيره من قوم موسى عليه السلام فأخذ من موطىء فرسه قبضة من التراب.

وفي بعض الآثار أنه رآه كلما رفع الفرس يديه أو رجليه على التراب اليبس يخرج النبات فعرف أن له شأناً فأخذ من موطئه حفنة، وذلك قوله تعالى: { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } أي من أثر فرس الرسول، وكذا قرأ عبد الله، فالكلام على حذف مضاف كما عليه أكثر المفسرين.

السابقالتالي
2 3 4