الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

القراءة: قرأ ابن عامر وحده قِيَاماً للناس بغير ألف والباقون قيماماً بالألف. الحجة: القيام مصدر كالصيام والعياذ وأما القِيَم فيجوز أن يكون مصدراً كالشبع ويجوز أن يكون حذف الألف من القيام كما يقصر الممدود وهذا إنما يجوز في الشعر دون حال السعة وإذا كان مصدراً فإنما أُعِلَّ ولم يصحح كما صحَّح العوض والحول لأن المصدر يعلّ إذا اعتلّ فعله لأن المصدر يجري على فعله فإذا صحّ حرف العلة في الفعل صحّ في مصدره نحو اللواذ والجوار فإذا اعتل في الفعل اعتل في مصدره نحو الصيام والقيام. اللغة: سمّيت الكعبة كعبة لتربيعها. وإنما قيل للمربع: كعبة لنتوء زواياه الأربع والكعوبة النتوء ومنه كعب الإنسان لنتوئه وكعبت المرأة إذا نتأ ثديها وكعبت بمعناه والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة. وقيل: سميت كعبة لانفرادها عن البنيان وهذا أيضاً يرجع إلى الأول لأن المتفرد من البنيان كعبة لنتوئه من الأرض. قال الرماني: والبيت الحرام سمي بذلك لأن الله حرَّم أن يصاد صيده وأن يعضد شجره وأن يختلى خلاه ولأنه عَظَّم حرمته وفي الحديث: " مكتوب في أسفل المقام إني أنا الله ذو بكة حَرِّمتها يوم خلقت السموات والأرض ويوم وضعت هذين الجبلين وحففتهما بسبعة أملاك حنفاء من جاءني زائراً لهذا البيت عارفاً بحقّه مذعناً لي بالربوبية حَرَّمت جسده على النار ". المعنى: لمَّا ذكر سبحانه حرمة الحرم عَقَّبه بذكر البيت الحرام والشهر الحرام فقال: { جعل الله الكعبة البيت الحرام } أي جعل الله حَجَّ الكعبة أو نصب الكعبة: { قياماً للناس } أي لمعايش الناس ومكاسبهم لأنه مصدر قاموا كأن المعنى قاموا بنصبه ذلك لهم فأستثبت معايشهم بذلك واستقامت أحوالهم به لما يحصل لهم في زيارتها من التجارة وأنواع البركة. ولهذا قال سعيد بن جبير: من أتى هذا البيت يريد شيئاً للدنيا والآخرة أصابه وهو المروي عن أبي عبد الله ع. وقال ابن عباس: معناه جعل الله الكعبة أمناً للناس بها يقومون أي يأمنون ولولاها لفنوا وهلكوا وما قاموا وكان أهل الجاهلية يأمنون به فلو لقي الرجل قاتل أبيه وابنه في الحرم ما قتله. وقيل: إن معنى قولـه: { قياماً للناس } أنهم لو تركوه عاماً واحداً لا يحجونه ما نوظروا أن يهلكوا عن عطاء ورواه علي بن إبراهيم عنهم ع. قال: ما دامت الكعبة يحجّ الناس إليها لم يهلكوا فإذا هدمت وتركوا الحج هلكوا. { والشهر الحرام } يعني الأشهر الحرم الأربعة واحد فرد وثلاثة سرد أي متتابعة فالفرد رجب والسرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وإنما خرج مخرج الواحد لأنه ذهب به مذهب الجنس وهو عطف على المفعول الأول لجعل. كما يقال: ظننت زيداً منطلقاً وعمراً { والهدي والقلائد } مَرَّ ذكرهما في أول السورة وإِنما ذكر هذه الجملة بعد ذكر البيت لأنها من أسباب حَجّ البيت فدخلت في جملته فذكرت معه كان أهل الجاهلية لا يغزون في أشهر الحرم وكانوا ينصلون فيها الأسنة ويتفرغ الناس فيها إلى معايشهم وكان الرجل يقلّد بغيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحرم فلا يخاف وكانوا قد توارثوه من دين إسماعيل ع فبقوا عليه رحمة من الله لخلقه إلى أن قام الإسلام فحجزهم عن البغي والظلم.

السابقالتالي
2