الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

{ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ } أى فى شأنه آيات بينات، فشملت الآيات البينات الحرم كله، لأنها كلها تسبب بالكعبة، واتصال لا ما يختص بالكعبة فقط، ذلك المجموع مقام إبراهيم، وأمن داخل الحرم وكون الكعبة لا يقصدها أحد إلا قصم، وكون الطيور لا تمر فوق الكعبة عند طيرانها فى الهواء، بل تحط عنها يميناً وشمالاً عند موازاتها، وهذا أمر مشاهد. ومن ذلك أن سباع الوحش والطير إذا تبعت صيداً ودخل الحرم رجعت، حتى الكلاب لا تهيج الظباء، وأن مرضى الطيور تستشفى بالكعبة. ولا يشكل على ذلك هدم الحَجَّاج الكعبة، ورميه داخل المسجد عند محاربته لعبد الله بن الزبير، إذ تحصن عبد الله بالمسجد لأنه هدمه ليبنيه أجود فى زعمه والرمى للحرب لا مهاونة بالكعبة، ومن ذلك الحجر الأسود، والملتزم، والحطيم، وزمزم، وعرفة، والمزدلفة، ومن المشروعات من أحَلّ عمارة الكعبة بالعبادة، وأن بانيه إبراهيم وابنه إسماعيل وما ذكرته من أن الضمير فى قوله { فيه آيات بينات } للبيت، وهو الكعبة على أن المراد فى شأنه أولى من كونه للبيت على أن المراد بالبيت الحرم تجوز العلاقة الجوار، لأنه لا تشمل الآيات على هذا إلا آيات ما جاور البيت، وهو الحرم، ولا تشمل آيات نفس البيت، أو تجوز بطريق إطلاق الجزء وإرادة الكل، لأن هذا مجاز، والذى قبله كذلك، وجملة { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَات } مستأنفة، بين بها البركة والهدى، أو حال أخرى، وأجاز بعض أن تكون نعتاً لهدى على أنه قد نعت بقوله { للعالمين } وعلى أن الضمير لهدى، لا للبيت، لكن الهدى مراد به البيت. { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } مبتدأ خبره محذوف أى منها مقام إبراهيم، لا بدل بعض من البيت لعدم الرابط، وتقدير مقام إبراهيم منها على أن يكون منها حالا من مقام وما رابط تكلف، ويجوز كونه بدل كل، باعتبار عطف مقدر، أى مقام إبراهيم وكذا وكذا، حذف ذلك دلالة على الكثرة، وإبدال المعرفة من المنكرة جائز، ويجوز أن يكون مقام إبراهيم بدل كل من آيات بينات، بلا تقدير عطف على أن المراد بالآيات البينات، هى المقام وحده لاشتماله على الآيات، وكذا إذا قيل إن المقام هو الحرم كلهُ، كما قال بعض، وبهذا التقرير جاز كونه عطف بيان لآيات، وذلك أن المقام صخرة صماء أثر القدم بالغوص فيها، وكان الغوص إلى الكعبين وخصت بالتلين عن سائر الصخور، وبقى الأثر إلى الآن دون آثار سائر الأنبياء، وعدم زواله أو زوالها، مع مضى مدة طويلة هى ألفان وثمانمائة سنة وثلاث وتسعون سنة إلى هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعمت اليهود - لعنهم الله - أن ذلك ألفان وأربعمائة سنة واثنتان وأربعون سنة، مع كثرة أعدائه، ولو كثر أيضاً مدعو حبه، ومع تداول الأيدى عليه وعبارة بعض، أن فيه أثر قدمى إبراهيم عليه السلام، وأنهُ دثر لمسح الأيدى، ويجوز أن يكون بدل كل، أو بيان، تنزيلا للمقام منزل آيات كثيرة، لظهور شأنه ودلالته على قدرة الله تعالى، ونبوة إبراهيم عليه السلام، كما قال إبراهيم إنه أمة على أحد أوجه قوة فى كونه أمة، ويجوز ذلك أيضاً، على تنزيل قوله { ومَنَ دَخَلَهُ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6