الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ }

وكلمة " يقدم " هي من مادة " القاف " و " الدال " و " الميم ". وعند استخدام هذه المادة في التعبير قولاً أو كتابة، فهي تدل على الإقبال بالمواجهة فيقال: " قدم فلان " دليل إقباله عليك مواجهة. وإذا قيل: " أقبل فلان " فهذا يعني الإقبال بشيءٍ من العزم. و " قدم القوم يقدمهم " أي: أنهم يتقدمون في اتجاه واحد، ومن يقودهم يتقدمهم. ويُفهم من هذا أن فرعون اتبعه الملأ، والقوم اتبعوا الملأ وفرعون، وما داموا قد اتَّبعوه في الأولى فلا بد أن يتبعوه في الآخرة. ويأتي القرآن بآيات ويُبيِّنها، مثل قول الحق سبحانه:فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } [مريم: 68-70]. فالحق سبحانه ينزع من كل جماعة الأشد فتوة وسطوة، ويلقيه في النار، لأنه أعلم بمن يجب أن يَصْلَى السعير. ويقول الحق سبحانه:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [مريم: 71ـ72]. ولم يقل الحق سبحانه: " وإنْ منهم إلاّ واردُها ". وإنما قال:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا.. } [مريم: 71]. وبذلك عمَّم الخطاب للكل، أو أنه يستحضر الكفار ويترك المؤمنين بمعزل. وهنا يقول الحق سبحانه عن قوم فرعون: {.. فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [هود: 98]. وحين تكلم كتاب الله الكريم عن " الورود " ، وهو الكتاب الذي نزل بلسان عربي مبين، نجد أن الورود يأتي بمعنى الذهاب إلى الماء دون شرب من الماء، قلت: " وردَ يردُ وروداً " ، وإن أردت التعبير عن شرب الماء مع الورود، فقل: " وردَ يردُ وِرْداً " بدليل أن الحق سبحانه يقول هنا: {.. وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [هود: 98]. أي: أنهم يشعرون بالبؤس لحظة أن يروا ماء جهنم ويشربون منه. إذن: فكلمة " الوِرْد " تطلق على عملية الشرب من الماء، وقد تطلق على ذات الواردين مثل قوله:وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [مريم: 86]. وقد قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى في معلقته:
فَلمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرقاً جِمَامُهُ   وَضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ الُمَتَخيّمِ
والشاعر هنا يصف الرَّكْب ساعة يرى المياه الزرقاء الخالية من أي شيء يعكرها أو يُكدِّرها، فوضع القوم عصا الترحال. وكان الغالب قديماً أن يحمل كل من يسير عصاً في يده، مثل موسى عليه السلام حين قال:هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18]. ويقول الشاعر:
فألقتْ عصَاها واستقرَّ بها النَّوَى   كمَا قَرَّ عيناً بالإياب المُسَافرُ

السابقالتالي
2