الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ } وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ضمن وعيد هؤلاء القوم بالإهلاك وحث له عليه الصلاة والسلام على الإنذار أي قرناً كثيراً أهلكنا قبل هؤلاء المعاندين { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ } استئناف مقرر لمضمون ما قبله، والاستفهام في معنى النفي أي ما تشعر بأحد منهم. وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبـي عبلة وأبو جعفر المدني { تحس } بفتح التاء وضم الحاء { أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } أي صوتاً خفياً وأصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض والركاز للمال المدفون، وخص بعضهم الركز بالصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، والأكثرون على الأول، وخص الصوت الخفي لأنه الأصل الأكثر ولأن الأثر الخفي إذا زال فزوال غيره بطريق الأولى. والمعنى أهلكناهم بالكلية واستأصلناهم بحيث لا ترى منهم أحداً ولا تسمع منهم صوتاً خفياً فضلاً عن غيره، وقيل: المعنى أهلكناهم بالكلية بحيث لا ترى منهم أحداً ولا تسمع من يخبر عنهم ويذكرهم بصوت خفي، والحاصل أهلكناهم فلا عين ولا خبر، والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب. / وقرأ حنظلة «تسمع» مضارع أسمعت مبنياً للمفعول والله تعالى أعلم.

ومن باب الإشارة في الآيات:وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ إِبْرٰهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً } [مريم: 41] أمر للحبيب أن يذكر الخليل وما من الله تعالى به عليه من أحكام الخلة ليستشير المستعدين إلى التحلي بما أمكن لهم منها. والصديق على ما قال ابن عطاء القائم مع ربه سبحانه على حد الصدق في جميع الأوقات لا يعارضه في صدقه معارض بحال، وقال أبو سعيد الخزاز: الصديق الآخذ بأتم الحظوظ من كل مقام سني حتى يقرب من درجات الأنبياء عليهم السلام، وقال بعضهم: من تواترت أنوار المشاهدة واليقين عليه وأحاطت به أنوار العصمة. وقال القاضي: هو الذي صعدت نفسه تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضة إلى أوج العرفان حتى اطلع على الأشياء وأخبر عنها على ما هي عليه، ومقام الصديقية قيل: تحت مقام النبوة ليس بينهما مقام. وعن الشيخ الأكبر قدس سره إثبات مقام بينهما وذكر أنه حصل لأبـي بكر الصديق رضي الله عنه. والمشهور بهذا الوصف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وليس ذلك مختصاً به، فقد أخرج أبو نعيم في «المعرفة» وابن عساكر وابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن أبـي ليلى عن أبيه أبـي ليلى الأنصاري عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } [يس: 20]، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱللَّهُ } [غافر: 28] وعلي بن أبـي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه وهو أفضلهم { إِذْ قَالَ لاِبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } [مريم: 42] "

السابقالتالي
2 3