الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

وعلى سبيل المثال: إذا ذهب إليهم داعية من الدعاة، وقال لهم فكرة عن الإسلام. فالواحد من هؤلاء الأعراب يدَّعي في ظاهر الأمر أنه يتبع الإسلام، وإن عُلِمَ أن في الإسلام زكاة فهو يعطي عامل الزكاة النصاب المقرر عليه، ويعتبر ما دفعه " مغرما " أي غرامة لأنه أعطى النصاب وهو كاره. وما دُمْتُ كارهاً فأنت لا تؤمن بحكمته، وتظن أن ما دفعته مأخوذ منك. وتقول: " أخذوا عرقي " و " أخذوا ناتج حركتي " وأعطوه لمن لم يعرق ولم يتحرك في الحياة، متناسياً أن هذا الأخذ هو تأمين لحياتك لأنك حين تعجز ستجد من يعطيك، والإسلام يأخذ منك وأنت قادر، ويعطيك إذا عجزت، وفي هذا تأمين لحياتك. وأنت تعلم أن الأشياء أعراض في الكون القوة عرض، والمرض عرض، والصحة عرض، والعجز عرض، وأنت عُرْضة إن كنت قادراً أن تصير عاجزاً، وإن كنت صحيح الجسد فأنت عرضة لأن تمرض، فإذا ما طمأنك المشرع على أن أخاك العاجز حين عجز أخذنا منك له حين قدرت وبذلك تواجه أنت الحياة برصيد قوي من الإيمان والشجاعة، ويبين الحق لك أنك لا تعيش وحدك، ولكنك تعيش في مجتمع متكافل، إن أصابك شيء من عجز، فقدرة الباقي هي المرجع لك. وكان الواحد من هؤلاء الأعراب يؤدي نصاب الزكاة وهو كاره ويعتبرها مَغْرماً، ومنهم من كان يتمنى أن تصيب المسلمين كارثة حتى لا يأخذوا منه الزكاة، وهكذا كان الواحد منهم يتربص بالمسلمين الدوائر، مصداقاً لقول الحق: { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ }. أي يتمنى وينتظر أن يصيب المسلمين كارثة فلا يأخذوا منه الزكاة التي اعتبرها مغرماً. ولماذا قال الحق: { ٱلدَّوَائِرَ }؟ نعلم أن الخطْبَ الشديد حين يصيب الإنسان أو القوم إن كان فظيعاً وقويّاً يقال: " دارت عليهم الدوائر ". أي أن المصيبة أحاطت بهم فلا منفذ لهم يخرجون منه، وكان بعض من الأعراب يتربصون بالمسلمين الدوائر لأنهم كارهون لدفع الزكاة ويظنون أنها غرامة، ولا يستوعبون أن الزكاة تُكْتب في الميزان، وأنها تطهير ونماء للمال، وأنها حمل لعجز العاجز، إن عجز الواحد منهم فسوف يجد من يحمله. والذي يتربص بكم الدوائر، ولا يفطن إلى حكمة الأخذ منه، هو الذي تأتي عليه دائرة السوء مصداقاً لقوله الحق: { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } لأن أيّاً منهم لم يفطن وينتبه لقيمة الوجود في المجتمع الإيماني الذي يعطي له الزكاة إن عجز، فإن تربصت الدائرة بمن يأخذ منك، ولم تفطن إلى أن من يأخذ منك يصح أن يأخذ من الغير لك فسوف تأتي الدائرة عليك. وقوله الحق: { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } تبدو كأنها دعوة، ومن الذي يدعو؟ إنه الله.

السابقالتالي
2