الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً }

{ فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } أي: يتجاوز عنهم بترك الهجرة.

قال الرازيّ: ههنا سؤال: وهو أن القوم لما كانوا عاجزين عن الهجرة، والعاجز عن الشيء غير مكلف به، وإذا لم يكن مكلفاً به لم يكن عليه في تركه عقوبة - فَلِمَ قال: عسى الله أن يعفو عنهم؟ والعفو لا يتصور إلا مع الذنب، وأيضاً (عسى) كلمة الإطماع، وهذا يقتضي عدم القطع بحصول العفو في حقهم، والجواب عن الأول: أن المستضعف قد يكون قادراً على ذلك الشيء مع ضرب من المشقة، وتمييز الضعيف الذي يحصل عنده الرخصة، عن الحد الذي لا يحصل عنده الرخصة، شاق ومشتبه، فربما ظنّ الإنسان بنفسه أنه عاجز عن المهاجرة ولا يكون كذلك، ولا سيما في الهجرة عن الوطن، فإنها شاقة على النفس، وبسبب شدة النفرة قد يظن الإِنسَاْن كونه عاجزاً، مع أنه لا يكون كذلك، فلهذا المعنى كانت الحاجة إلى العفو شديدة في هذا المقام، والجواب عن الثاني: بأن الفائدة في { عَسَى } الدلالة على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه، حتى إن المضطر البيّن الاضطرار من حقه أن يقول: عسى الله أن يعفو عني، فكيف الحال في غيره؟ هذا ما ذكره صاحب (الكشاف).

والأولى في الجواب ما قدمناه: وهو أن الإنسان لشدة نفرته عن مفارقة الوطن، ربما ظن نفسه عاجزاً عنها، مع أنه لا يكون كذلك في الحقيقة، فلهذا المعنى ذكر العفو بكلمة { عَسَى } لا بالكلمة الدالة على القطع. انتهى. وقال أبو السعود: جيء بكلمة (الإطماع) ولفظ (العفو) إيذاناً بأن الهجرة من تأكيد الوجوب بحيث ينبغي أن يعد تركها، ممن تحقق عدم وجوبها عليه، ذنباً يجب طلب العفو عنه، رجاءً وطمعاً، لا جزماً وقطعاً. وقال المهايميّ: فيه إشعار بأن ترك الهجرة أمر خطير، حتى إن المضطر حقه أن يترصد الفرصة ويعلق قلبه بها وإن الصبيّ إذا قدر فلا محيص له عنه، وإن قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم، ثم أكد الإطماع لئلا ييأسوا فقال: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } وفي إقحام { كَانَ } إشارة إلى اتصافه تعالى بهذه الصفة قبل خلق الخلق، أو أن هذه عادته تعالى، أجراها في حق خلقه، ووعده بالعفو والمغفرة مطلقاً مما يدل على أنه تعالى قد يعفوا عن الذنب قبل التوبة.

تنبيه

قال السيوطيّ في (الإكليل): استدل بالآية على وجوب الهجرة من دار الكفر، إلا على من لم يطقها، وعن مالك: الآية تقتضي أن كل من كان في بلد تُغَيَّرُ فيه السنن، فينبغي أن يخرج منه. انتهى.

وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية وجوب الهجرة من دار الكفر، ولا خلاف أنها كانت واجبة قبل الفتح، ولذلك قال الله تعالى في سورة الأنفال:

السابقالتالي
2 3