الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

{ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ } دم على ما أنت عليه من عبادته سبحانه، قيل: وفي الإظهار بالعنوان السالف آنفاً تأكيد لما سبق من إظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم والإشعار بعلة الأمر بالعبادة { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } أي الموت كما روي عن ابن عمر والحسن وقتادة وابن زيد، وسمي بذلك لأنه متيقن اللحوق بكل حي، وإسناد الإتيان إليه للإيذان بأنه متوجه إلى الحي طالب للوصول إليه، والمعنى دم على العبادة ما دمت حياً من غير إخلال بها لحظة، وقال ابن بحر: اليقين النصر على الكافرين الذي وعده صلى الله عليه وسلم، وأياً مّا كان فليس المراد به ما زعمه بعض الملحدين مما يسمونه بالكشف والشهود، وقالوا: إن العبد متى حصل له ذلك سقط عنه التكليف بالعبادة وهي ليست إلا للمحجوبين، ولقد مرقوا بذلك من الدين وخرجوا من ربقة الإسلام وجماعة المسلمين. وذكر بعض الثقات أن هذا الأمر كان بعد الإسراء والعروج إلى السماء، أفترى أنه صلى الله عليه وسلم لم يتضح له ليلتئذٍ صبح الكشف والشهود ولم يمن عليه باليقين عظيم الكرم والجود؟ الله أكبر لا يتجاسر على ذلك من في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو رزق حبة خردل من عقل ينتظم به في سلك الإنسان، وأيضاً لم يزل صلى الله عليه وسلم ما دام حياً آتياً بمراسم العبادة قائماً بأعباء التكليف لم ينحرف عن الجادة قدر/ حادة أفيقال: إنه لم يأته عليه الصلاة والسلام حتى توفي ذلك اليقين ولذلك بقي في مشاق التكليف إلى أن قدم على رب العالمين؟ لا أرى أحداً يخطر له ذلك بجنان ولو طال سلوكه في مهامه الضلالة وبان. نعم ذكر بعض العلماء الكرام في قوله تعالى:وَلَقَدْ نَعْلَمُ } [الحجر: 97] الخ كلاماً متضمناً شيئاً مما يذكره الصوفية لكنه بعيد بمراحل عن مرام أولئك اللئام، ففي «الكشف» أنه تعالى بعدما هدم قواعد جهالات الكفرة وأبرق وأرعد بما أظهر من صنيعه بالقائلين نحو مقالات أولئك الفجرة فذلك الكلام بقوله سبحانه:وَلَقَدْ نَعْلَمُ } [الحجر: 97] مؤكداً هذا التأكيد البالغ الصادر عن مقام تسخط بالغ وكبرياء لينفس عن حبيبه عليه الصلاة والسلام أشد التنفيس، ثم أرشد إلى ما هو أعلى من ذلك مما تأهله لمسامرة الجليس للجليس وقال تعالى:فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } [الحجر: 98] إشارة إلى التوجه إليه بالكلية والتجرد التام عن الأغيار والتحلي بصفات من توجه إليه بحسن القبول والافتقار إذ ذلك مقتضى التسبيح والحمد لمن عقلهما، ثم قال سبحانه:وَكُنْ مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } [الحجر: 98] دلالة على الاقتراب المضمر فيه لأن السجود غاية الذلة والافتقار وهو مظهر الفناء حتى نفسه وشرك البقاء بمن أمره بخمسه، وقوله تعالى شأنه: { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ } الخ ظاهره ظاهر وباطنه يومي إلى أن السفر في الله تعالى لا ينقطع والشهود الذي عليه يستقر لا يحصل أبداً فما من طامة إلا وفوقها طامة:

السابقالتالي
2 3