الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيـمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَـيْتِ } واذكروا إذ يرفع إبراهيـم القواعد من البـيت. والقواعد جمع قاعدة، يقال للواحدة من قواعد البـيت قاعدة، وللواحدة من قواعد النساء وعجائزهن قاعد، فتلغى هاء التأنـيث لأنها فـاعل من قول القائل: قعدت عن الـحيض، ولا حظّ فـيه للذكورة، كما يقال: امرأة طاهر وطامث، لأنه لا حظّ فـي ذلك للذكور. ولو عنى به القعود الذي هو خلاف القـيام لقـيـل قاعدة، ولـم يجز حينئذٍ إسقاط هاء التأنـيث. وقواعد البـيت: إساسه. ثم اختلف أهل التأويـل فـي القواعد التـي رفعها إبراهيـم وإسماعيـل من البـيت، أهما أحدثا ذلك، أم هي قواعد كانت له قبلهما؟ فقال قوم: هي قواعد بـيت كان بناه آدم أبو البشر بأمر الله إياه بذلك، ثم درس مكانه وتعفـى أثره بعده حتـى بوأه الله إبراهيـم علـيه السلام، فبناه. ذكر من قال ذلك: حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قال آدم: يا ربّ إنـي لا أسمع أصوات الـملائكة قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلـى الأرض وابن لـي بـيتاً، ثم احْفُفْ به كما رأيت الـملائكة تـحفّ ببـيتـي الذي فـي السماء. فـيزعم الناس أنه بناه من خمسة أَجْبُل: من حراء، وطور زَيْتا، وطور سِينا، وجبل لبنان، والـجودي، وكان رَبَضُه من حراء فكان هذا بناء آدم حتـى بناه إبراهيـم بعد. حدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيـمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَـيْتِ } قال: القواعد التـي كانت قواعد البـيت قبل ذلك. وقال آخرون: بل هي قواعد بـيت كان الله أهبطه لآدم من السماء إلـى الأرض، يطوف به كما كان يطوف بعرشه فـي السماء، ثم رفعه إلـى السماء أيام الطوفـان، فرفع إبراهيـم قواعد ذلك البـيت. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن أبـي قلابة، عن عبد الله بن عمرو قال: لـما أهبط الله آدم من الـجنة قال: إنـي مهبط معك أو منزل معك بـيتاً يطاف حوله، كما يطاف حول عرشي، ويصلَّـى عنده، كما يصلَّـى عند عرشي. فلـما كان زمن الطوفـان رفع، فكانت الأنبـياء يحجّونه ولا يعلـمون مكانه، حتـى بوأه الله إبراهيـم وأعلـمه مكانه، فبناه من خمسة أجبل: من حراء، وثبـير، ولبنان، وجبل الطور، وجبل الـخمر. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا إسماعيـل بن علـية، قال: ثنا أيوب، عن أبـي قلابة، قال: لـما أهبط آدم، ثم ذكر نـحوه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن سوار، عن عطاء بن أبـي ربـاح، قال: لـما أهبط الله آدم من الـجنة كان رجلاه فـي الأرض ورأسه فـي السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إلـيهم، فهابته الـملائكة حتـى شكت إلـى الله فـي دعائها وفـي صلاتها، فخفضه إلـى الأرض فلـما فَقد ما كان يسمع منهم، استوحش حتـى شكا ذلك إلـى الله فـي دعائه وفـي صلاته، فوُجِّه إلـى مكة، فكان موضع قدمه قرية وخطوه مفـازةً، حتـى انتهى إلـى مكة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7