الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قال أبو جعفر: الشهر فـيـما قـيـل أصله من الشهرة، يقال منه: قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فـاعترض به من أراد ضربه، يشهره شهراً وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله، وأشهرنا نـحن إذا دخـلنا فـي الشهر. وأما رمضان فإن بعض أهل الـمعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الـحرّ الذي كان يكون فـيه حتـى تَرْمَضُ فـيه الفصال كما يقال للشهر الذي يحجّ فـيه ذو الـحجة، والذي يرتبع فـيه ربـيع الأول وربـيع الآخر. وأما مـجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان ويقول: لعله اسم من أسماء الله. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو نعيـم، قال: ثنا سفـيان، عن مـجاهد أنه كره أن يقال رمضان، ويقول: لعله اسم من أسماء الله، لكن نقول كما قال الله: { شَهْرُ رَمَضَان }. وقد بـينت فـيـما مضى أن «شهر» مرفوع علـى قوله:أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [البقرة: 184]، هن شهر رمضان، وجائز أن يكون رفعه بـمعنى ذلك شهر رمضان، وبـمعنى كتب علـيكم شهر رمضان. وقد قرأه بعض القرّاء: «شَهْرَ رَمَضَانَ» نصبـاً، بـمعنى: كتب علـيكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان. وقرأه بعضهم نصبـاً بـمعنى أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتـم تعلـمون. وقد يجوز أيضاً نصبه علـى وجه الأمر بصومه كأنه قـيـل: شهر رمضان فصوموه، وجائز نصبه علـى الوقت كأنه قـيـل: كتب علـيكم الصيام فـي شهر رمضان. وأما قوله: { الَّذي أُنْزلَ فـيهِ القُرآنُ } فإنه ذكر أنه نزل فـي لـيـلة القدر من اللوح الـمـحفوظ إلـى سماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر من شهر رمضان، ثم أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى ما أراد الله إنزاله إلـيه. كما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن حسان بن أبـي الأشرس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قال: أنزل القرآن جملة من الذكر فـي لـيـلة أربع وعشرين من رمضان، فجعل فـي بـيت العزّة. قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر، وقال ذلك السدي. حدثنـي عيسى بن عثمان، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبـير، قال: نزل القرآن جملة واحدة فـي لـيـلة القدر فـي شهر رمضان، فجعل فـي سماء الدنـيا. حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن ابن أبـي الـملـيح عن واثلة، عن النبـي صلى الله عليه وسلم، قال: " نزلتْ صُحُف إبراهِيـمَ أوَّلَ لَـيْـلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَت التَّوْرَاةُ لِستّ مَضَيْنَ من رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الإنـجيـلُ لثَلاثَ عَشْرَةَ خَـلَتْ، وأُنْزِلَ القُرآنُ لأَرْبَعٍ وعِشْرين مِنْ رَمَضَان " حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرْآنُ } ، أما أنزل فـيه القرآن، فإن ابن عبـاس قال: شهر رمضان، واللـيـلة الـمبـاركة: لـيـلة القدر، فإن لـيـلة القدر هي اللـيـلة الـمبـاركة، وهي من رمضان، نزل القرآن جملة واحدة من الزُّبر إلـى البـيت الـمعمور، وهو مواقع النـجوم، فـي السماء الدنـيا حيث وقع القرآن، ثم نزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فـي الأمر والنهي وفـي الـحروب رَسَلاً رَسَلاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد