الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه: أولئك لهم عذاب عظيم في يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه. وأما قوله: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } فإن معناه: فأما الذين اسودّت وجوههم، فـيقال لهم: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }. ولا بدّ لـ «أمّا» من جواب بـالفـاء، فلـما أسقط الـجواب سقطت الفـاء معه، وإنـما جاز ترك ذكر «فـيقال» لدلالة ما ذكر من الكلام علـيه. وأما معنى قوله جلّ ثناؤه: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيـمن عُنـي به، فقال بعضهم: عُنـي به أهل قبلتنا من الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }... الآية، لقد كفر أقوام بعد إيـمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " وَالَّذِي نَفْسُ مُـحَمَّدٍ بِـيَدِهِ، لَـيَرِدَنَّ عَلـيَّ الـحَوْضَ مِـمَّنْ صَحِبَنَـي أقْوَامٌ، حتـى إذَا رُفِعُوا إلـيَّ ورأيْتُهُمْ اخْتُلِـجُوا دُونِـي، فلأَقُولَنَّ رَبّ أصحابِـي أصحَابِـي، فَلَـيُقالَنَّ إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ " وقوله: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ } هؤلاء أهل طاعة الله والوفـاء بعهد الله، قال الله عز وجل: { فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن حماد بن سلـمة والربـيع بن صبـيح، عن أبـي مـجالد، عن أبـي أمامة: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } قال: هم الـخوارج. وقال آخرون: عنى بذلك كل من كفر بـالله بعد الإيـمان الذي آمن حين أخذ الله من صلب آدم ذريته وأشهدهم علـى أنفسهم بـما بـين فـي كتابه. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا علـيّ بن الهيثم، قال: أخبرنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب، فـي قوله: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قال: صاروا يوم القـيامة فريقـين، فقال لـمن اسودّ وجهه وعيرهم: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قال: هو الإيـمان الذي كان قبل الاختلاف فـي زمان آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم، وأقرّوا كلهم بـالعبودية، وفطرهم علـى الإسلام، فكانوا أمة واحدة مسلـمين، يقول: أكفرتـم بعد إيـمانكم، يقول بعد ذلك الذي كان فـي زمان آدم، وقال فـي الآخرين: الذين استقاموا علـى إيـمانهم ذلك، فأخـلصوا له الدين والعمل، فبـيض الله وجوههم، وأدخـلهم فـي رضوانه وجنته.

السابقالتالي
2