الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم، وهو مسند ظهره إلـى الكعبة: " نَـحْنُ نُكَمِّلُ يَوْمَ القِـيامَةِ سَبْعينَ أُمَّةً نَـحْنُ آخرُها وخَيْرُها " وأما قوله: { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } فإنه يعنـي: تأمرون بـالإيـمان بـالله ورسوله، والعمل بشرائعه، { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } يعنـي: وتنهون عن الشرك بـالله، وتكذيب رسوله، وعن العمل بـما نهى عنه. كما: حدثنا علـيّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يقول: تأمرونهم بـالـمعروف أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بـما أنزل الله، وتقاتلونهم علـيه، ولا إله إلا الله هو أعظم الـمعروف، وتنهونهم عن الـمنكر والـمنكر: هو التكذيب، وهو أنكر الـمنكر. وأصل الـمعروف: كل ما كان معروفـاً ففعله جميـل مستـحسن غير مستقبح فـي أهل الإيـمان بـالله. وإنـما سميت طاعة الله معروفـاً، لأنه مـما يعرفه أهل الإيـمان ولا يستنكرون فعله. وأصل الـمنكر ما أنكره الله، ورأوه قبـيحاً فعله، ولذلك سميت معصية الله منكراً، لأن أهل الإيـمان بـالله يستنكرون فعلها، ويستعظمون ركوبها. وقوله: { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } يعنـي: تصدّقون بـالله، فتـخـلصون له التوحيد والعبـادة. فإن سأل سائل فقال: وكيف قـيـل: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } وقد زعمت أن تأويـل الآية أن هذه الأمة خير الأمـم التـي مضت، وإنـما يقال: كنتـم خير أمة، لقوم كانوا خياراً فتغيروا عما كانوا علـيه؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه، وإنـما معناه: أنتـم خير أمة، كما قـيـل: { وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } وقد قال فـي موضع آخر: { وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } فإدخال «كان» فـي مثل هذا وإسقاطها بـمعنى واحد، لأن الكلام معروف معناه. ولو قال أيضاً فـي ذلك قائل: كنتـم بـمعنى التـمام، كان تأويـله: خـلقتـم خير أمة، أو وجدتـم خير أمة، كان معنى صحيحاً، وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى ذلك: كنتـم خير أمة عند الله فـي اللوح الـمـحفوظ أخرجت للناس، والقولان الأوّلان اللذان قلنا، أشبه بـمعنى الـخبر الذي رويناه قبل. وقال آخرون معنى ذلك: كنتـم خير أهل طريقة، وقال: الأمة: الطريقة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ }. يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ولو صدّق أهل التوراة والإنـجيـل من الـيهود والنصارى بـمـحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاءهم به من عند الله، لكان خيراً لهم عند الله فـي عاجل دنـياهم، وآجل آخرتهم. { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يعنـي من أهل الكتاب من الـيهود والنصارى، الـمؤمنون الـمصدّقون رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما جاءهم به من عند الله، وهم عبد الله بن سلام، وأخوه، وثعلبة بن سَعْيَة وأخوه، وأشبـاههم مـمن آمنوا بـالله، وصدّقوا برسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوا ما جاءهم به من عند الله.

PreviousNext
1 2 4