الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

يقول تعالـى ذكره: يحسب هؤلاء الـمنافقون الأحزاب، وهم قريش وغطفـان. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان { يَحْسَبُونَ الأحْزَابُ لَـمْ يَذْهَبُوا } قريش وغطفـان. وقوله: { لَـمْ يَذْهَبُوا } يقول: لـم ينصرفوا، وإن كانوا قد انصرفوا جبناً وهَلعاً منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَـمْ يَذْهَبُوا } قال: يحسبونهم قريبـاً. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا، فإذَا وَجَدُوهُمْ لَـمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا لَوْ أنَّهُمْ بـادُونَ فِـي الأعْرَابِ». وقوله: { وَإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أنهُمْ بـادُونَ فِـي الأعْرابِ } يقول تعالـى ذكره: وإن يأت الـمؤمنـين الأحزاب وهم الـجماعة: واحدهم حزب { يَوَدُّوا } يقول: يتـمنوا من الـخوف والـجبن أنهم غيب عنكم فـي البـادية مع الأعراب خوفـاً من القتل. وذلك أن قوله: { لَوْ أنَّهُمْ بـادُونَ فِـي الأعْرَابِ } تقول: قد بدا فلان إذا صار فـي البدو فهو يبدو، وهو بـاد وأما الأعراب: فإنهم جمع أعرابـيّ، وواحد العرب عربـيّ، وإنـما قـيـل أعرابـيّ لأهل البدو، فرقاً بـين أهل البوادي والأمصار، فجعل الأعراب لأهل البـادية، والعرب لأهل الـمصر. وقوله: { يَسأَلُونَ عَنْ أنْبـائِكُمْ } يقول: يستـخبر هؤلاء الـمنافقون أيها الـمؤمنون الناس عن أنبـائكم، يعنـي عن أخبـاركم بـالبـادية، هل هلك مـحمد وأصحابه؟ نقول: يتـمنون أن يسمعوا أخبـاركم بهلاككم، أن لا يشهدوا معكم مشاهدكم. { وَلَوْ كانُوا فِـيكُمْ ما قاتَلُوا إلاَّ قَلِـيلاً } يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: ولو كانوا أيضاً فـيكم ما نفعوكم، وما قاتلوا الـمشركين إلاَّ قلـيلاً. يقول: إلاَّ تعذيراً، لأنهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله { يَسألَونَ عَنْ أنْبـائِكُمْ } قال: أخبـاركم. وقرأت قرّاء الأمصار جميعاً سوى عاصم الـجحدري: { يَسأَلُونَ عَنْ أنْبـائِكُمْ } بـمعنى: يسألون من قدم علـيهم من الناس عن أنبـاء عسكركم وأخبـاركم، وذكر عن عاصم الـجحدري أنه كان يقرأ ذلك: «يَسَّاءَلونَ» بتشديد السين، بـمعنى: يتساءلون: أي يسأل بعضهم بعضاً عن ذلك. والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.