الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

يعني جلّ ثناؤه بقوله: { فَلا } فليس الأمر كما يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدّون عنك إذا دعو إليك يا محمد. واستأنف القسَمَ جلّ ذكره، فقال: { وَرَبُّكَ } يا محمد { لاَ يُؤْمِنُونَ } أي لا يصدّقون بي وبك، وبما أنزل إليك، { حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } يقول: حتى يجعلوك حكماً بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه، يقال: شَجَرَ يشجُر شُجُوراً وشَجْراً، وتشاجر القوم إذا اختلفوا في الكلام والأمر مشاجرة وشِجَاراً { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ } يقول: لا يجدوا في أنفسهم ضيقاً مما قضيت، وإنما معناه: ثم لا تحرج أنفسهم مما قضيت: أي لا تأثم بإنكارها ما قضيت وشكها في طاعتك وأن الذي قضيت به بينهم حق لا يجوز لهم خلافه. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ } قال: شكًّا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: { حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ } يقول: شَكًّا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا يحيـى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ } قال: إثماً { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } يقول: ويسلموا لقضائك وحكمك، إذعاناً منهم بالطاعة، وإقراراً لك بالنبوّة تسليماً. واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الزبير بن العوّام وخصم له من الأنصار، اختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور. ذكر الرواية بذلك: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس والليث بن سعد، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير حدثه، أن عبد الله بن الزبير حدثه، عن الزبير بن العوّام: أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ! فأبي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسْق يا زُبَيْرُ ثُمَّ أرْسِل المَاءَ إلى جارك! " فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " اسْق يا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حتى يَرْجِعَ إلى الجَدْرِ ثُمَّ أرْسِلِ المَاءَ إلى جارِك! "

السابقالتالي
2 3