الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }

يقول تعالى ذكره: لقد صدق الله رسوله محمداً رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا يخافون أهل الشرك، مقصِّراً بعضهم رأسه، ومحلِّقاً بعضهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شاءَ اللَّهِ آمِنِينَ } قال هو دخول محمد صلى الله عليه وسلم البيت والمؤمنون، محلقين رؤوسهم ومقصرين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { الرُّؤْيا بالحَقّ } قال: أُرِيَ بالحدُيبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين، فقال أصحابه حين نحر بالحُديبية: أين رؤيا محمد صلى الله عليه وسلم؟ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ } قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطوف بالبيت وأصحابه، فصدّق الله رؤياه، فقال: { لَتَدْخُلُنَّ المَسّجِدَ الحَرَام إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ... } حتى بلغ { لا تَخافُونَ }. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ } قال: أُرِيَ في المنام أنهم يدخلون المسجد الحرام، وأنهم آمنون محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ.. } إلى آخر الآية. قال: قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنّي قَدْ رأيْتُ أنَّكُمْ سَتَدْخُلُونَ المَسْجِدَ الحَرَام مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ " فلما نزل بالحُديبية ولم يدخل ذلك العام طعن المنافقون في ذلك، فقالوا: أين رؤياه؟ فقال الله { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ } فقرأ حتى بلغ { وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ } إني لم أره يدخلها هذا العام، وليكوننّ ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ... } إلى قوله: { إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أُرِيَها أنه سيدخل مكة آمناً لا يخاف، يقول: محلقين ومقصرين لا تخافون. وقوله: { فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا } يقول تعالى ذكره: فعلم الله جلّ ثناؤه ما لم تعلموا، وذلك علمه تعالى ذكره بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين، الذين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرِّجل، فأصابتهم منهم معرّة بغير علم، فردّهم الله عن مكة من أجل ذلك.

السابقالتالي
2