الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

يقول تعالـى ذكره: صير الله الكعبة البـيت الـحرام قواماً للناس الذين لا قوام لهم، من رئيس يحجز قويهم عن ضعيفهم ومسيئهم عن مـحسنهم وظالـمهم عن مظلومهم { والشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقلائِدَ } فحجز بكلّ واحد من ذلك بعضهم عن بعض، إذ لـم يكن لهم قـيام غيره، وجعلها معالـم لدينهم ومصالـح أمورهم. والكعبة سميت فـيـما قـيـل كعبة لتربـيعها. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد قال: إنـما سميت الكعبة لأنها مربعة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد الـمؤدّب، عن النضر بن عربـي، عن عكرمة، قال: إنـما سميت الكعبة لتربـيعها. وقـيـل { قِـياماً للنَّاسِ } بـالـياء، وهو من ذوات الواو، لكسرة القاف وهي فـاء الفعل، فجعلت العين منه بـالكسرة ياء، كما قـيـل فـي مصدر: «قمت» قـياماً، و «صمت» صياماً، فحوّلت العين من الفعل وهي واء ياء لكسرة فـائه، وإنـما هو فـي الأصل: قمت قواماً، وصمت صواماً. وكذلك قوله: { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ } فحوّلت واوها ياء، إذ هي «قوام». وقد جاء ذلك من كلامهم مقولاً علـى أصله الذي هو أصله، قال الراجز:
قِوَامُ دُنْـيا وَقِوَامُ دِين   
فجاء به بـالواو علـى أصله. وجعل تعالـى ذكره الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قواماً لـمن كان يحترم ذلك من العرب ويعظمه، بـمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تبـاعه. وأما الكعبة فـالـحرم كله، وسماها الله تعالـى حراماً لتـحريـمه إياها أن يصاد صيدها أو يختلـى خلاها أو يعضد شجرها. وقد بـينا ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل. وقوله: { وَالشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ } يقول تعالـى ذكره: وجعل الشهر الـحرام والهدي والقلائد أيضاً قـياماً للناس، كما جعل الكعبة البـيت الـحرام لهم قـياماً. والناس الذين جعل ذلك لهم قـياماً مختلف فـيهم، فقال بعضهم: جعل الله ذلك فـي الـجاهلـية قـياماً للناس كلهم. وقال بعضهم: بل عَنَى به العربَ خاصة. وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل القوام قال أهل التأويـل. ذكر من قال: عنى الله تعالـى بقوله: { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ } القوام علـى نـحو ما قلنا: حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا من سمع خَصيفـاً يحدّث عن مـجاهد فـي: { جعلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرَامَ قِـيَاماً لِلنَّاسِ } قال: قواماً للناس. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبـيد الله، عن إسرائيـل، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير: { قِـياماً للنَّاسِ } قال: صلاحاً لدينهم. حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي: { جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرامَ قـيَاماً للنَّاسِ } قال: حين لا يرجون جنة ولا يخافون ناراً، فشدّد الله ذلك بـالإسلام.

السابقالتالي
2 3