الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }

يقول تعالـى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فـيذبحون أبناءهم ويستـحيون نساءهم، ويستـخدمونهم تسخيراً واستعبـاداً من بنـي إسرائيـل، مشارق الأرض الشأم، وذلك ما يـلـي الشرق منها، ومغاربها التـي بـاركنا فـيها، يقول: التـي جعلنا فـيها الـخير ثابتاً دائماً لأهلها. وإنـما قال جلّ ثناؤه: { وأوْرَثْنا } لأنه أورث ذلك بنـي إسرائيـل، بـمهلك من كان فـيها من العمالقة. وبـمثل الذي قلنا فـي قوله: { مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يـمان، عن إسرائيـل، عن فُرات القزّاز، عن الـحسن، فـي قوله: { وأوْرَثَنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها التـي بـاركْنا فِـيها } قال: الشأم. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن فُرات القزاز، قال: سمعت الـحسن يقول، فذكر نـحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن فُرات القزاز، عن الـحسن: الأرض التـي بـاركنا فـيها، قال: الشأم. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُستَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها التـي بـاركْنا فِـيها } هي أرض الشأم. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: { مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها التـي بـاركْنا فـيها } قال: التـي بـارك فَـيها: الشأم. وكان بعض أهل العربـية يزعم أن مشارق الأرض ومغاربها نصب علـى الـمـحلّ، يعنـي: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون فـي مشارق الأرض ومغاربها، وأن قوله: { وأوْرَثنا } إنـما وقع علـى قوله: { التـي بـاركْنا فِـيها } وذلك قول لا معنى له، لأن بنـي إسرائيـل لـم يكن يستضعفهم أيام فرعون غير فرعون وقومه، ولـم يكن له سلطان إلاَّ بـمصر، فغير جائز والأمر كذلك أن يقال: الذين يستضعفون فـي مشارق الأرض ومغاربها. فإن قال قائل: فإن معناه: فـي مشارق أرض مصر ومغاربها فإن ذلك بعيد من الـمفهوم فـي الـخطاب: مع خروجه عن أقوال أهل التأويـل والعلـماء بـالتفسير. وأما قوله: { وَتـمَّتْ كَلِـمَةُ رَبِّكَ الـحُسْنَى } فإنه يقول: وفـي وعد الله الذي وعد بنـي إسرائيـل بتـمامه، علـى ما وعدهم من تـمكينهم فـي الأرض، ونصره إياهم علـى عدوّهم فرعونَ. وكلـمته الـحسنى قوله جلّ ثناؤه:ونُريدُ أنْ نَـمُنَّ علـى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِـي الأرْضِ وَنَـجْعَلَهُمْ أئمَّةً وَنـجْعَلَهُمُ الوَارِثـينَ ونُـمَكِّنَ لَهُمْ فِـي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ } وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { وَتـمَّتْ كَلِـمَةُ رَبِّكَ الـحُسْنَى عَلـى بَنِـي إسْرائِيـلَ } قال: ظهور قوم موسى علـى فرعون.

السابقالتالي
2