الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }

يقول تعالى ذكره: ومن القوم الذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون، ومن أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون. وقوله: { مَرَدُوا على النِّفاقِ } يقول: مرنوا عليه ودربوا به، ومنه شيطان مارد ومريد: وهو الخبيث العاتي، ومنه قيل: تمرّد فلان على ربه: أي عتا ومرد على معصيته واعتادها. وقال ابن زيد في ذلك، ما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَردُوا على النِّفاقِ } قال: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب الآخرون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: { وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَردُوا على النِّفاقِ } أي لجّوا فيه وأبو غيره. لا تَعْلَمُهُمْ يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تعلم يا محمد أنت هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك صفتهم ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة، ولكنا نحن نعلمهم. كما: حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِن الأعْرَابِ مُنافِقُون... } إلى قوله: { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } قال: فما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة وفلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفته الأنبياء قبلك قال نبيّ الله نوح عليه السلام: { وما عِلْمِي بِمَا كانُوا يَعْمَلُون } ، وقال نبي الله شعيب عليه السلام:بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ وما أنا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } وقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: { لا تَعْلَمُهُمْ نحْنُ نَعْلَمُهُمْ }. وقوله: { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } يقول: سنعذّب هؤلاء المنافقين مرّتين: إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر. ثم اختلف أهل التأويل في التي في الدنيا ما هي فقال بعضهم: هي فضيحتهم فضحهم الله بكشف أمورهم وتبيين سرائرهم للناس على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، عن أبي مالك، عن ابن عباس، في قول الله: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُون مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا على النِّفاقِ... } إلى قوله: { عَذَابٍ عَظِيمٍ } قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة، فقال " اخْرُجْ يا فُلانُ فإنَّكَ مُنافِقٌ اخْرُج يا فُلانُ فإنَّك مُنافِقٌ " فأخرج من المسجد ناساً منهم فضحهم. فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة، وظنّ أن الناس قد انصرفوا واختبئوا هم من عمر، ظنوا أنه قد علم بأمرهم. فجاء عمر فدخل المسجد، فإذا الناس لم يصلوا، فقال له رجل من المسلمين: أبشر يا عمر، فقد فضح الله المنافقين اليوم فهذا العذاب الأوّل حين أخرجهم من المسجد، والعذاب الثاني: عذاب القبر.

السابقالتالي
2 3