الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

وأما قول الذين قالوا أنه بمعنى: استولى، فغير صحيح من جهة نقل اللغة ومن جهة المعنى.

قال ابن الأعرابي: العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى، ومن قال ذلك فقد أعظم.

وقال ابن فارس: البيتان لا يعرف قائلها.

وقال جماعة من حُذَّاق العلماء: إنما يقال: استولى فلان على كذا؛ إذا كان بعيداً عنه غير متمكن منه، [ثم تمكن] منه، والله تعالى لم يزل مستولياً على الأشياء.

قال الأستاذ أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله: قال أهل الحق من المتكلمين: أحدث الله فعلاً سمّاه: استواء، وهو كالإتيان والمجيء والنزول، كلها من صفات أفعاله.

سأل رجل الأوزاعي عن قوله:ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] فقال: هو على العرش كما وصف نفسه، وإني لأراك رجلاً ضالاً.

قال الثعلبي: وبلغني أن رجلاً سأل إسحاق بن إبراهيم الحنظلي فقال: كيف استوى على العرش؟ أقائم هو أم قاعد؟ فقال: يا هذا إنما يقعد من يملّ القيام، ويقوم من يملّ القعود، وغير هذا أولى بك أن تسأل عنه.

قال الشريف القاضي أبو علي بن أبي موسى الهاشمي -من علمائنا- رضي الله عنه: اختلف أصحابنا هل الاستواء من صفات الذات أو من صفات الفعل؟ على طريقين:

منهم: من قال إنه من صفات الفعل، غير أنه لا يعلم كيفيته، ولا نقول أنه انتقال من مكان إلى مكان، ولكنا نسلمه ونقول فيه كما نقول في حديث النزول.

ومنهم من قال: إنه من صفات الذات، لم يزل مستوياً قبل خلق العرش من غير تكييف.

ومن أصحابنا من تأول الاستواء على معنى الارتفاع.

قال الشريف رحمه الله: فأنا لا أقول في ذلك إلا ما قال أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه: استوى كما قال، بلا حَدٍّ ولا كيف.

قلت: وعلى هذا القول الذي قاله الشريف وارتضاه، وجدت علماءنا وأشياخنا الذين بالشام والعراق، وله نعتقد، وعليه نعتمد، وبه نقول.

وقد صنّف شيخنا الإمام موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي كتاباً سمعناه عليه، يخص هذه المسألة، وجمع فيه ما صح في الأخبار والآثار الدالة على أن الله تعالى مستوي على عرشه فوق سبع سماواته، وذكر فيه ما لا يجد المسلم المُتَّبِع لشريعة محمد بُدَّاً من الانقياد إلى تسليمه والإيمان به، فمن أراد الوقوف على دلائلنا السمعية وبراهيننا القطعية فليقف عليه؛ ليستبين له الصواب، ويعرف المبتدع من المتبع للسنة والكتاب.

PreviousNext
1 2 4