الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

فإن قلت لم عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله تعالى { نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ } ثم رجع إلى الخطاب؟ قلت للإيذان بأنه مما خصّ به وأوثر، ومجيئه على لفظ النبي للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوّة، وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوّته، واستنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه، وقد استشهد به أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّته سواء في الأحكام إلاّ فيما خصّه الدليل، وقال الشافعي لا يصحّ، وقد خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعاً لأنّ اللفظ تابع للمعنى، والمدعي للاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل. وقال أَبو الحسن الكرخي إن عقدالنكاح بلفظ الإجارة جائز، لقوله تعالى { ٱلَّٰتي ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } وقال أبو بكر الرازي لا يصحّ لأنّ الإجارة عقد مؤقت، وعقد النكاح مؤبد، فهما متنافيان { خَالِصَةً } مصدر مؤكد، كوعد الله، وصبغة الله، أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة، بمعنى خلوصاً، والفاعل والفاعلة في المصادر غير عزيزين، كالخارج والقاعد، والعافية والكاذبة. والدليل على أنها وردت في أثر الإحلالات الأربع مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التوكيد لها قوله { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوٰجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } بعد قوله { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهي جملة اعتراضية، وقوله { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } متصل بخالصة لك من دون المؤمنين، ومعنى هذه الجملة الاعتراضية أنّ الله قد علم ما يجب فرضه على المؤمنين في الأزواج والإماء، وعلى أي حدّ وصفه يجب أن يفرض عليهم ففرضه، وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اختصّه به ففعل ومعنى { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } لئلا يكون عليك ضيق في دينك حيث اختصصناك بالتنزيه واختيار ما هو أولىٰ وأفضل، وفي دنياك حيث أحللنا لك أجناس المنكوحات وزدنا لك الواهبة نفسها. وقرىء «خالصة» بالرفع، أي ذاك خلوص لك وخصوص من دون المؤمنين ومن جعل خالصة نعتاً للمرأة، فعلى مذهبه هذه المرأة خالصة لك من دونهم { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } للواقع في الحرج إذا تاب { رَّحِيماً } بالتوسعة على عباده. 898 روي أن أمهات المؤمنين حين تغايرن وابتغين زيادة النفقة وغظن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هجرهنّ شهراً، ونزل التخيير، فأشفقن أنّ يطلقهنّ، فقلن يا رسول الله، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت. وروي 899 أن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إني أرى ربك يسارع في هواك. { تُرْجِى } بهمز وغير همز تؤخر { وَتُئْوِى } تضمّ، يعني تترك مضاجعة من تشاء منهن. وتضاجع من تشاء. أو تطلق من تشاء، وتمسك من تشاء.

PreviousNext
1 3