الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قرىء «ليحبطن عملك» وليحبطنّ على البناء للمفعول. ولنحبطنّ، بالنون والياء، أي ليحبطنّ الله. أو الشرك. فإن قلت الموحى إليهم جماعة، فكيف قال { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } على التوحيد؟ قلت معناه أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وإلى الذين من قبلك مثله، أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت كما تقول كسانا حلة، أي كل واحد منّا فإن قلت ما الفرق بين اللامين؟ قلت الأولى موطئة للقسم المحذوف، والثاني لام الجواب، وهذاالجواب سادّ مسدّ الجوابين، أعني جوابي القسم والشرط، فإن قلت كيف صحّ هذا الكلام مع علم الله أنّ رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ قلت هو على سبيل الفرض، والمحالات يصحّ فرضها لأغراض، فكيف بما ليس بمحال. ألا ترى إلى قولهوَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } يونس 99 يعني على سبيل الإلجاء، ولن يكون ذلك لامتناع الداعي إليه ووجود الصارف عنه. فإن قلت ما معنى قوله { وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ }؟ قلت يحتمل ولتكونن من الخاسرين بسبب حبوط العمل. ويحتمل ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم إن مت على الردة. ويجوز أن يكون غضب الله على الرسول أشدّ، فلا يمهله بعد الردة ألا ترى إلى قوله تعالىإِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } الإسراء 75، { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم، كأنه قال لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل إن كنت عاقلاً فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضاً منه { وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على ما أنعم به عليك، من أن جعلك سيد ولد آدم. وجوّز الفراء نصبه بفعل مضمر هذا معطوف عليه، تقديره بل الله فأعبد فاعبد.