الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

روي أن المبعوثَ لما دخل المدينة أخرج الدرهمَ ليشتريَ به الطعامَ وكان على ضرب دقيانوس، فاتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملكِ فقصّ عليه القِصة، فقال بعضُهم: إن آباءَنا أخبرونا بأن فتيةً فرّوا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاءِ، فانطلق الملكُ وأهلُ المدينة من مسلم وكافر وأبصروهم وكلّموهم ثم قالت الفتيةُ للملك: نستودعك الله ونعيذك به من شر الإنسِ والجنّ ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا، فألقى الملكُ عليهم ثيابَه وجعل لكل منهم تابوتاً من ذهب، فرآهم في المنام كارهين الذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجداً، وقيل: لما انتهَوْا إلى الكهف قال لهم الفتى: مكانَكم حتى أدخُل أولاً لئلا يفزَعوا، فدخل فعمِيَ عليهم المدخلُ فبنَوا ثمةَ مسجداً. وقيل: المتنازعَ فيه أمرُ الفتية قبل بعثهم أي أعثرنا عليهم حين يتذاكرون بـينهم أمرَهم وما جرى بـينهم وبـين دقيانوسَ من الأحوال والأهوالِ ويتلقَّوْن ذلك من الأساطير وأفواهِ الرجال، وعلى التقديرين فالفاء في قوله عز وجل: { فَقَالُواْ } فصيحةٌ أي أعثرناهم عليهم فرَأَوا فماتوا فقالوا أي قال بعضهم: { ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ } أي على باب كهفِهم { بُنْيَـٰنًا } لئلا يتطرقَ إليهم الناسُ ضنًّا بتربتهم ومحافظةً عليها وقوله تعالى: { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } من كلام المتنازِعين كأنهم لما رأَوا عدم اهتدائِهم إلى حقيقة حالِهم من حيث النسبُ ومن حيث اللُّبثُ في الكهف قالوا ذلك تفويضاً للأمر إلى علاّم الغيوب، أو من كلام الله تعالى ردًّا لقول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازِعين، وقيل: هو أمرُهم وتدبـيرُهم عند وفاتِهم أو شأنُهم في الموت والنومِ حيث اختلفوا في أنهم ماتوا أو ناموا كما في أول مرةٍ فإذْ حينئذ متعلق بقوله تعالى: { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } وهم الملِكُ والمسلمون { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } وقوله تعالى: { فَقَالُواْ } معطوفٌ على يتنازعون، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدِلالة على أن هذا القولَ ليس مما يستمر ويتجدد كالتنازُع، وقيل: متعلقٌ باذكر مضمَراً، وأما تعلقُه بأعثرنا فيأباه أن إعثارِهم ليس في زمان تنازُعِهم فيما ذكر بل قبلَه، وجعلُ وقتِ التنازع ممتداً يقع في بعضه الإعثارُ وفي بعضه التنازعُ تعسفٌ لا يخفى مع أنه لا مخصَّصَ لإضافته إلى التنازُع وهو مؤخرٌ في الوقوع.


PreviousNext
1