الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

[الشعراء: 82] وأما قوله { فغفرنا له ذلك } فالمعنى أنا قبلناه منه وأثبناه عليه فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قولهيخادعون الله وهو خادعهم } [النساء: 148] وقولهالله يستهزىء بهم } [البقرة: 15] فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول. قيل: في جوابه غفرنا وهذا قول من ينزّه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية وغيرهم ومن جوز على الأنبياء الصغائر قال إن استغفاره كان لذنب صغير وقع منه ثم إنهم اختلفوا في ذلك على وجوه: أحدها: أن أوريا بن حيان خطب امرأة وكان أهلها أرادوا أن يزوجوها منه فبلغ داود جمالها فخطبها أيضاً فزوّجوها منه فقدَّموه على أوريا فعوتب داود على الحرص على الدنيا عن الجبائي. وثانيها: أنه أخرج أوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته فعوتب على ذلك بنزول الملكين. وثالثها: أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها فحينئذٍ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها فلما قتل أوريا خطب داود ع امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك. ورابعها: أن داود كان متشاغلاً بالعبادة فأتاه رجل وامرأة متحاكمين إليه فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك نظر مباح فمالت نفسه إليها ميل الطباع ففصل بينهما وعاد إلى عبادة ربه فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب. وخامسها: أنه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبت وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ولا يحكم عليه قبل ذلك وإنما أنساه التثبت في الحكم فزعه من دخولهما عليه في غير وقت العادة وأمّا ما ذكر في القصة أن داود كان كثير الصلاة فقال يا رب فضلت عليَّ إبراهيم فاتّخذته خليلاً وفضَّلت عليَّ موسى فكلَّمته تكليماً فقال: يا داود إنا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله فإن شئت ابتليتك فقال نعم يا رب فابتلني فبينا هو في محرابه ذات يوم إذ وقعت حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة المحراب فذهب ليأخذها فاطلع من الكوة فإذا امرأة أوريا بن حيان تغتسل فهويها وهمَّ بتزويجها فبعث بأوريا إلى بعض سراياه وأمر بتقديمه أمام التابوت الذي فيه السكينة ففعل ذلك وقتل فلما انقضت عدتها تزوَّجها وبنى بها فولد له منها سليمان فبينا هو ذات يوم في محرابه يقرأ إذ دخل عليه رجلان ففزع منهما فقالا: { لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض } إلى قوله { وقليل ما هم } فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثم ضحك فتنبَّه داود على أنهما ملكان بعثهما الله إليه في صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته فتاب وبكى حتى نبت الزرع من كثرة دموعه.

PreviousNext
1 2 4